وقف إطلاق النار الشامل في سورية، الذي حدد له منتصف الليلة الماضية موعداً للتنفيذ، بضمانة روسية - تركية، أشبه ما يكون بنورٍ في آخر نفق عام 2016، ومخاض قاسٍ يخرج منه هذا البلد من عنق الزجاجة، نحو أرضية متماسكة تمهد لإنهاء أزمة طاحنة استمرت ست سنوات، وخلفت أكبر أزمة إنسانية في العالم، كان ضحاياها مئات آلاف القتلى والجرحى وملايين النازحين واللاجئين في الداخل والخارج، وبنية تحتية مدمرة واقتصاداً منهكاً.

ويبدو أن السوريين، إزاء ذلك الاتفاق غير المسبوق، على وشك الوقوف على أول منصة سلام منذ 15 مارس 2011 يوم بدأت الشرارة الأولى للأزمة.

Ad

وعقب إعلانه أمس التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في سورية بين النظام وفصائل المعارضة المسلحة، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مُعلقاً: «حدث انتظرناه منذ زمن، وعملنا كثيراً من أجل الوصول إليه».

وأضاف بوتين، خلال لقاء مع وزيري دفاعه وخارجيته سيرغي شويغو وسيرغي لافروف، أنه «تم توقيع ثلاث وثائق الأولى بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة حول وقف لإطلاق النار على مجمل الأراضي السورية»، في حين تشمل الثانية تطبيق إجراءات تهدف إلى مراقبة احترام الهدنة، أما الثالثة فهي إعلان «أطراف النزاع» استعدادها لبدء محادثات السلام.

وكشف عن «خفض» الوجود العسكري الروسي في سورية، قائلاً: «أنا أؤيد اقتراح وزارة الدفاع بخفض وجودنا العسكري في سورية، لكننا سنواصل دون شك مكافحة الإرهاب الدولي ودعم الحكومة السورية الشرعية في هذه الحملة».

في موازاة ذلك، أعلن لافروف بدء الاستعدادات لمحادثات السلام من أجل تسوية النزاع السوري المفترض أن تتم في عاصمة كازاخستان قريباً، بمبادرة من روسيا، مضيفاً: «سنبدأ مع تركيا وإيران الإعداد للقاء في أستانة»، في حين أبدت طهران وأنقرة استعدادهما لرعاية اتفاق سلام محتمل بين النظام والمعارضة السوريين يمكن أن يتم التوصل إليه في «أستانة».

وبينما أعرب الائتلاف السوري المعارض دعمه لاتفاق وقف إطلاق النار الشامل في سورية، أعلن جيش النظام السوري وقفاً شاملاً للأعمال القتالية على جميع أراضي سورية اعتباراً من منتصف ليلة أمس.

لكن وقف إطلاق النار، وفق بيان الجيش السوري، يستثني تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» الذي يُعرف الآن باسم «جبهة فتح الشام»، مضيفاً أن «قرار وقف الأعمال القتالية يأتي بهدف تهيئة الظروف الملائمة لدعم المسار السياسي للأزمة في سورية».

أما رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أحمد رمضان، فقال لـ«فرانس برس»، إن الائتلاف الوطني يعبر عن دعمه للاتفاق ويحثّ كل الأطراف على التقيد به».

وأكد أن فصائل المعارضة «سوف تلتزم باتفاق وقف إطلاق النار، وسترد في حال حصول انتهاكات»، لافتاً إلى أن من بين الفصائل الموقعة على الاتفاق «حركة أحرار الشام وجيش الإسلام وفيلق الشام ونور الدين زنكي».

وأوضح رمضان أن «الاتفاق يستثني فقط تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيمات إرهابية أخرى»، لكنه «لا يسمح بالمساس بالمدنيين».

وأوضح أنه يسري على «جميع المناطق التي توجد فيها المعارضة المعتدلة أو تلك التي تضم المعارضة المعتدلة مع عناصر فتح الشام على غرار إدلب» في شمال غرب البلاد.

وليست هذه أول مرة يتم التوصل فيها إلى اتفاق لوقف شامل لإطلاق النار في سورية، لكنه كان يحصل برعاية روسية - أميركية وتتسبب الانتهاكات في انهياره، وأيضاً تعد هذه أول مرة ترعى فيها تركيا، أبرز داعمي الفصائل المعارضة، اتفاقاً مماثلاً.

وتزامن الاتفاق الاستثنائي مع دخول التعاون بين أنقرة وموسكو مرحلة جديدة قام خلالها سلاح الجو الروسي لأول مرة بدعم الجيش التركي في معركة مدينة الباب بغارات على مواقع لتنظيم «داعش».

وجاءت الغارات، التي استهدفت القطاع الجنوبي للمدينة، بعد نفاد صبر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من تراجع دعم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لعملية «درع الفرات»، وشنه قبل يومين أكبر هجوم على الإدارة الأميركية واتهامه لها والدول الغربية بدعم الإرهاب وعلى رأسه تنظيم داعش.