أفرح كثيراً عندما أرى عائلةً تتنزه معاً، حيث تحمل الأم طفلها الرضيع ويمسك الأب بيد ابنته الصغيرة مستمتعين بالتسوق أو اللعب أو تناول وجبة، ورغم أن هذا مشهد طبيعي جداً في معظم دول العالم فإنه أصبح نادراً في بلدنا لدرجة مخيفة.أياد دخيلة تهدهد وتنظف وتطعم بشكل آلي رتيب، وأحياناً تضرب! وكيف لا، إذا لم يكن للأبوين طاقة على احتمال صخب أبنائهما وإزعاج طفولتهم الطبيعيين، فهل نجرؤ على مطالبة الغرباء بمجالستهم ومجاملتهم على مدار ساعات اليوم الطويلة؟
أستغرب ردود أفعال الأبوين وغضبهما العارم حين يكتشفان أن الخادمة تضرب الطفل أو تسيء إليه، هل لنا فعلاً الأحقية في الغضب؟ كيف نأتمن هؤلاء البسطاء على فلذات أكبادنا وكثيرون منهم لا يملكون حتى هاتفاً، بل لم تتوافر لهم أساسيات الحياة الكريمة كالمياه النظيفة والكهرباء، فما بالك بالتعليم والدراسة؟ وكيف نلومهم على جهلهم؟ كيف نتوقع أن يتعلم الطفل دروس الحياة ومبادئ الأدب والأخلاق منهم؟كيف نقبل إهدار لمسات يحن إليها أطفالنا؟ ألا نغار على أحضان دافئة وسنوات لعب ثمينة فاتت وأهدرت، فظفرت بها الخادمة مع أطفالنا؟! أوقات طويلة يقضيها الابن مع السائق كل يوم بدلاً من تبادل أطراف الحديث مع والده في السيارة. ساعات متواصلة من اللعب الممتع وضحكات تقضيها غريبة من قارة أخرى مع طفل كانت أحشاؤك مسكنه قبل فترة بسيطة. تتآكل لغة الطفل فتصبح لهجته مزيجاً مشوهاً من إنكليزية ركيكة بلكنة آسيوية، ألا يعتبر ذلك مؤشراً مخيفاً على كمية الوقت الذي يقضيه الطفل مع الخادمة؟أما بالنسبة إلى من يتركن الطفل في أحضان الممرضة، فهل الطفولة مرض مزمن؟ أم هل زمن البراءة الجميل "شدة وتزول"؟ كيف يتوقعن تكوين علاقة حقيقية مع أبنائهن لاحقاً وبينهم كل هذا البعد والمسافات الشاهقة؟ وكيف يعرف الطفل الحنان بين القفازات والأدوات الطبية المعقمة؟أعتقد أن الضغط الاجتماعي لإنجاب طفل، وانعدام السعادة الزوجية قد يقودان المرأة لتركه بين يدي الغرباء من الشغالات والممرضات، فالعائلة السعيدة حتماً ستجد الوقت الكافي للعناية بصغارها.سيكبر هؤلاء الأطفال ليصبحوا رجالاً ونساءً مع نقصان شيء في وجدانهم، وسيسافرون إلى أقاصي الشرق بحثاً عنه، ليرتموا بين أحضان "أمهاتهم" الحقيقيات! فلا تثوروا ولا تغضبوا.الإطعام، والتنظيف، واللعب والتوصيل من المدرسة إلى البيت... كلها أنشطة يومية بسيطة، لكنها تأخذ الكثير من الوقت، وتقرب الأبوين من الطفل، فلنملأها بالحب.
مقالات - اضافات
لمسة
31-12-2016