أحمد الله أنني لست من ضمن بعض السياسيين والبشر الذين يبدون لي جلياً أنهم لا يمتون للإنسانية بصلة، فإنا لست سوى إنسان، ولغتي الأولى والأخيرة هي الإنسانية، فهي أقرب لغة إلي، والتي لا أفهم سواها.

في أحداث ١١ سبتمبر، كنت كمن عاش فيها لحظة لحظة، تسارعت دقات قلبي مع لحظات التفجير المصورة، انقبض صدري مع أولئك الذين يتخبط بعضهم ببعض من الخوف، لا يدرون أين المفر! سالت دموعي مع أقرباء المنكوبين الذين كانوا يروون تفاصيل الحدث، اختنقت عبرتي وأشجاني مع كل أسرة فقدت فرداً منها في ذلك اليوم، وكأنني مثلها فقدت عزيزاً!

Ad

كذلك كان حالي مع تفجير باريس، ومع غيره من التفجيرات الإرهابية في كل مكان، بل أيضاً مع الحريق الذي طال إسرائيل!! نعم رغم أنهم يهود، خلافاً للمتعصبين!، ففي كل مرة يتحد حزني مع الضحية، ومع كل كارثة أجدني قلقة على أمهات القتلى والجرحى على أية أرض ومن أي دين، وفي كل مرة أجدني أفكر بأسرهم وأبنائهم وزوجاتهم، بأفراحهم التي كانوا ينتظرونها، وأحلامهم المعلقة وكل تفاصيل تلك الأشياء.

لم أفتش قط عن عقيدة المنكوبين لأقرر ردة فعلي، أنا أحزن وأغضب تلقائياً دون معطيات خارجة عن إنسانيتي! كذلك عندما اغتيل السفير الروسي علنياً ومباشرة، اعتصر قلبي ألماً على حال ابنته، أو زوجته التي كانت تتابع ظهوره في التلفاز فخورة به، ثم تراه ملقى على الأرض يواجه حتفه رمياً بالرصاص! ما ذنب أسرته وما ذنبه أنه أتى لافتتاح معرض صور؟!

أراد فقط إلقاء كلمة عن الافتتاح، لم يبدِ أي عدائية أو هجوم لنقصيه من الحياة ونحمّله ذنب توجهات سياسة بلده التي لا شأن له فيها، إلا أنه يمارس وظيفته كسفير! من قال إننا لابد أن ننتقم؟ أو أن نشمت؟ أو أن ذنب الفرد يعمم على عشيرته؟ ورغم غضبي العارم مما يحدث في سورية من وحشية فإنني لا أجد أي مبرر لقتل أشخاص عزل لمجرد الانتقام! فالقصاص هو ألا يقتل إلا القاتل، وإلقاء كلمة لافتتاح معرض لا يعتبر قتلاً بحسب رأيي المتواضع.

لست بصدد الدفاع عن أحد، لكنني أتكلم بلغة الإنسانية، لغة قد لا يفهمها الكثير وقد يساء فهمها من قبل الكثير أيضاً! لغة أظنها بدأت تندثر وتضيع في ظل الزخم المتطرف الذي يسيطر على هذا الكون الجميل والذي قبحته أيادي المتعصبين، العنصريين!

في نهاية المطاف، إذا أردنا شجاعة حقة فالأجدر بنا أن نتحد، أن نري العالم كيف أننا دين يستوعب جميع الأديان! دين يؤمن بكل الرسل! دين السلام، والخير، والأخلاق والإنسانية، الأجدر بنا أن نكون كالبنيان المرصوص لا تهدمه كوارث أو محن!

ممارسات غير منطقية، كمن ينتقم من سياسة دولة كاملة بقتل فرد لا ذنب له، ومن يقتل شخصا لأنه يحمل نفس جنسية مديره الذي ظلمه! أو ذاك الذي يفجر كنيسة مليئة بأشخاص لمجرد أنهم يمارسون طقوساً تختلف عنه! ومن يفرح لمصيبة نالت من لم يفعل شيئاً سوى أنه مختلفٌ عنا!

لو كان ذلك منطقياً لتحولت الدول إلى غابات وتحول الناس إلى وحوش، ولا عزاء للإنسانية! ولمن لا يفهم الإنسانية: أنت ولدت إنساناً قبل أن يؤذن فيك إسلام، أو أن يبارك ولادتك قسيس! أنت إنسان بعيداً عن آرائك المتعصبة وعقيدتك المنحازة! أنت إنسان قبل كل شيء، لذا خلقك الله إنساناً وجعل الدين اختيارك!

أخيراً وليس آخراً: تذكر أن دينك لنفسك، أما إنسانيتك فهي لنفسك وللجميع.