قطع اليورو شوطاً طويلاً منذ اطلاقه قبل 18 سنة، ونتجت عنه العديد من الفوائد، مما أدى الى زيادة عدد أعضاء منطقة اليورو من 12 إلى 19 في العقد الماضي. ولكن على الرغم من ذلك، فمن غير المحتمل أن يحتفظ اليورو بقوته خلال السنة الجديدة 2017.وأظهرت أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو قدرة هذه المنطقة على تحقيق التوازن بين الالتزام والمرونة، فمن جانب أظهر أعضاء منطقة اليورو التزامهم بالمحافظة على العملة المشتركة من خلال مشاركتهم في برامج إنقاذ جوهرية لكل من اليونان وأيرلندا والبرتغال وإسبانيا وقبرص، والموافقة على شطب جزئي لديون اليونان وخلق آليتي إنقاذ بعدة مليارات من اليورو: تسهيلات الاستقرار المالي الأوروبي (EFSF) وآلية الاستقرار الأوروبية (ESM).
ومن جانب آخر، أكدت الدول المستفيدة من هذه التسهيلات أنها مستعدة للمضي في جهود اندماج مالية غير مسبوقة تصاحبها إصلاحات هيكلية عميقة ومؤلمة من أجل الحفاظ على عضويتها في منطقة العملة المشتركة. ونتيجة لذلك، تم تحقيق البعض من التقدم الجوهري بما في ذلك أدوات حوكمة جديدة واندماج اقتصادي ومالي ومراقبة متزايدة من قبل مؤشرات اقتصادية كلية مثل الحساب الجاري ومعدلات الصرف الحقيقية وأسعار العقار. وتم أيضاً إنجاز خطوات مهمة في زيادة الالتزام بمنطقة اليورو من خلال تعزيز دور الإشراف من قبل البنك المركزي الأوروبي على الاتحاد المصرفي حديث النشأة.
الاتحاد الاقتصادي والنقدي
على الرغم من التقدم، الذي تحقق خلال الأزمة، فإن الاتحاد الاقتصادي والنقدي لا يزال هشاً وبعض تحدياته اللافتة لا تزال من دون حل. وفي هذا السياق يمكن أن تقوض التطورات الاقتصادية والسياسية في سنة 2017 مستقبل اليورو لأسباب ثلاثة هي:متاعب البنوك
في القطاع المصرفي وصلت القروض الصعبة أو المعدومة إلى مستويات مثيرة للقلق في البعض من الدول الأعضاء وخصوصاً قبرص واليونان وإيطاليا مما يثير الشكوك حول مرونة القطاع المصرفي الأوروبي. كما أن التكهنات المتعلقة بفشل محتمل في البنوك الأوروبية (مثل دويتشه بنك أو مونتي دي باستشي دي سينا) والاضطرابات السياسية في الدول الأعضاء، مثل إيطاليا وهولندا وربما فرنسا، وترافقها مع قرب بدء إجراءات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تشير إلى احتمالات تصاعد الأزمة. في الجانب المالي، قد تشكل تداعيات الديون الحادة في القطاعين العام والخاص – والحصة المتزايدة للدول ذات التفاوت الاقتصادي الكبير المفرط – بلغاريا وكرواتيا وقبرص وفرنسا وإيطاليا والبرتغال – سبباً محتملاً أيضاً للقلق حيث إنها قد تنطوي على تأثيرات ضارة على الدول الأعضاء الأخرى. وأخيراً تظل دول المديونية السيادية وأنظمتها المصرفية الوطنية مصدراً للمخاوف، حيث إن زعزعة استقرار أي واحدة منها يمكن أن يزيد من تعرض الأخرى للتداعيات. وما دامت هذه الحلقة المفرغة مستمرة سوف يظل اليورو عرضة لمضاربات مالية إزاء قدرة الدول الأعضاء على الحفاظ على سلامة منطقة اليورو.استمرار تباين النمو
وبينما دفعت الأزمة المالية والمصرفية الاتحاد الأوروبي وأعضائه إلى معالجة البعض من قصور الاتحاد الاقتصادي والنقدي، فإن تأثيرها المستمر على مستويات النمو المتدنية والاستثمار ومعدلات البطالة العالية يفضي في الحقيقة الى زيادة التباين في شتى أنحاء القارة. وغدا الاتحاد الاقتصادي والنقدي اليوم مقسماً من الوجهة الجغرافية بين الشمال والجنوب والشرق والغرب – ومن الوجهة الاجتماعية مع زيادة التناقض في مستويات التنمية وانعدام المساواة بين الدول.وفي الوقت ذاته، وفيما كان لمعظم القرارات، التي اتخذت خلال الأزمة تأثيرها المباشر على الواقع اليومي للعديد من الأوروبيين، فقد أخفقت تلك القرارات في أن تحظى بمشاركة أعلى في عملية اتخاذ القرار من جانب المواطنين «عن طريق زيادة مساءلة المؤسسات مثل البنك المركزي الأوروبي وآلية الاستقرار الأوروبية أو بنك الاستثمار الأوروبي على سبيل المثال».وغذت مصادر القلق الاجتماعية والسياسية هذه النزعة الأوروبية المشككة في شتى أنحاء أوروبا التي يمكن – بدورها – أن تهدد القبول السياسي بمشروع منطقة اليورو. وفي السياق، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه منطقة اليورو اليوم يكمن في قدرة الدول الأعضاء على الاتفاق على ردّ جماعي إزاء الحاجة الملحّة الاجتماعية والسياسية في بعض الدول الأعضاء.سنة الانتخابات المهمة في أوروبا
سوف تحفل سنة 2017 بانتخابات في هولندا وفرنسا وألمانيا ومن المحتمل جداً في إيطاليا، والسؤال هو هل توفر نتائج هذه الانتخابات بيئة ملائمة بقدر أكبر أو أقل لحوكمة منطقة اليورو لمعالجة هذه التحديات السياسية والاجتماعية؟إن مشاعر القلق المتنامية بين السكان إزاء قضايا الهجرة والأمن قد دفعت بالإصلاحات الاقتصادية والمالية إلى موقع متأخر في الأجندة السياسية. والأكثر من ذلك، هو أن الأوضاع الملائمة الحالية (معدلات الفائدة المتدنية، وأسعار الصرف المفضلة مقابل عملة الولايات المتحدة، وأسعار النفط..... إلى آخر ذلك) قد قللت بشكل كبير من الشعور بضغط الأزمة المالية والاقتصادية، ويبدو من غير المحتمل إلى حد كبير أن يطرح صناع السياسة وخصوصاً قبل الانتخابات إصلاحات ذات تكلفة سياسية في الأجل القصير.وفي السياق السياسي الراهن، يتوقع أن تشهد الأحزاب «الشعبية»، التي حددت منطقة اليورو هدفاً رئيسياً لها زيادة في نفوذها وتمثيلها في تلك الدول الأربع. وإذا افترضنا أن أحداً من تلك الأحزاب لن يتمكن من تأمين ما يكفي من المقاعد لتشكيل حكومة بمفرده، فإن مستقبل الثقة في منطقة اليورو ربما يكمن في طريقة أحزاب الاتجاه السائد إزاء تقرير أسلوب الرد بعد الانتخابات.فمن جهة، صعود القوى الشعبية قد يدفع الحكومات الجديدة المنتخبة إلى اتباع اتجاهات نحو إعادة التخندق الوطني. ومن جهة أخرى، قد يعتبر القادة التقدميون أنه لم يعد بوسعهم تحمل الانتظار للانخراط في الإصلاحات الضرورية وخصوصاً لأنهم يرون خطر الوطنية المتصاعد قد أصبح حقيقياً بقدر أكبر.السيناريو الأول
في السيناريو الأول، لن يؤثر إغراء الخضوع للضغوط لمصلحة زيادة الحمائية فقط على قدرة الاتحاد الأوروبي على تحقيق إجماع حول كيفية إصلاح منطقة اليورو، لكنه قد يقوض الإنجازات، التي تحققت في مشروع بناء منطقة اليورو، الذي استمر 25 سنة.السيناريو الثاني
في السيناريو الثاني، فإن فترة ما بعد الانتخابات في أربع دول من الدول الست الأعضاء المؤسِّسة للاتحاد الأوروبي قد تساعد في بناء زخم لاصلاح الاتحاد الاقتصادي والنقدي. أظهر تاريخ اليورو أن إصلاح العملة المشتركة تطلب أولاً تحقيق إجماع بين فرنسا وألمانيا حول طريقة المضي قدماً. ويتعين أن تتحول كل الأنظار الآن نحو قدرة القادة المنتخبين حديثاً على التوفيق بين اليورو والاستحقاق السياسي.