لم يكن عام 2016 أسعد حظاً من الأعوام السابقة، بل كان شاهداً على سفك المزيد من دماء آلاف الأبرياء في جميع دول العالم، حيث امتدت يد القتل غدراً من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب وتنوعت أشكال الإرهاب ما بين إرهاب التنظيمات المتطرفة وإرهاب الدول الكبرى الذي تمارسه ضد العُزّل، وتناثرت الدماء والجثث والأشلاء في كل مكان في مشاهد محزنة ومخزية رغم أننا نعيش في القرن الحادي والعشرين، وفي زمنٍ لم نكن نتصور أن تحدث فيه هذه الأشكال البربرية والهمجية من الجرائم التي تجاوزت كل الأعراف والقيم وتعاليم الأديان السماوية، ولم تشهدها حتى العصور الجاهلية التي كانت أقل قسوة من سفاحي ومجرمي هذا الزمن.كنا نأمل خيراً في أن يكون عام 2016 بوابة السلام على العالم أجمع ولكن خاب أملنا وتألمنا مراراً وتكراراً وذرفت عيوننا الدموع كثيراً فلم نكد ننام على فاجعة وتفجير هنا إلا استيقظنا على عمل انتحاري وسيارة أو قنبلة مفخخة هناك، الأسباب تعددت وظل القتل والدمار واحداً في كل الحوادث الإرهابية الكثيرة التي لطخت هذا العام بالدماء والتي طالت الكثيرين ولم يعد هناك من يأمن على نفسه، فالخوف يسيطر على الجميع والإرهاب قريب منا ويهدد حياتنا دون رحمة، والعالم المتقدم الذي بيده الحل والربط صامت ويتفرج بل تستطيع القول إنه متواطئ لا يتحرك لإنقاذ البشرية من عمليات القتل الجماعي والإبادة التي تحدث لأسباب سياسية أو عرقية أو دينية، والكل يئن ولا يجد المحتاجون من يمد لهم يد العون وينتشلهم من بحار الدماء التي يسبحون فوقها.
وفي عام 2016 كانت الكلمة العليا للسفاحين ومصاصي الدماء الذين لايزالون يعربدون في الأرض طولاً وعرضاً يقتلون البشر ويقتلعون الشجر وينهبون الأموال ويصادرون الممتلكات ويهتكون الأعراض، وبنظرة عابرة على خريطة العالم في عام 2016 سنجد أنها اكتست بلون الدماء في الكثير من الأوقات، فالذبح والقتل مستمران في سورية بوتيرة أكثر تسارعاً بطائرات ومدافع وبنادق النظام وشبيحته وبمعاونة الروس وإيران و"حزب الله" والقتل والحرب متواصلان في اليمن لما يقارب عامين دون تقدم أو الوصول إلى حل، ويد الإرهاب تضرب في السعودية ومصر وتونس والأردن وليبيا وتسقط الأبرياء ما بين قتيل وجريح.وإذا كنا في منطقتنا قد كتب علينا أن نرى مشاهد الدماء والقتل بشكل يومي بسبب الصراعات الزائفة على السلطة وتنازع القوى الإقليمية على كعكة ثروات هذه الدول التي أنهكتها الحروب وأفقرتها فإن الولايات المتحدةالأميركية والدول الأوروبية أيضاً لم تسلم من الإرهاب الذي تسارعت وتيرته في عام 2016، حيث شهدت العديد منها مثل ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وتركيا حوادث مأساوية ما بين عمليات انتحارية وتفجيرات ودهس أودى بحياة المئات من الأبرياء، ولم تستطع هذه الدول بكل إمكانياتها التكنولوجية وجبروتها العسكري أن تقف في وجه الإرهاب والإرهابيين، بل إن البعض يتهمها بأنها هي التي صنعت هذا الإرهاب وحفرت الحفرة لنفسها ووقعت فيها وامتد إلى العالم كله ليظل هذا الداء ينهش في العالم ويتوغل في كل البلاد، ويبدو أن بصيص الأمل في القضاء عليه قد تلاشي وأننا أمام مرض عضال سيأخذ وقتاً كبيراً للتخلص منه وعلاجه، ولن يكون ذلك بالمسكنات وإنما بتحقيق العدالة واستئصال الأورام الخبيثة من عالمنا وإزالة الأسباب التي تدفع الارهابيين إلى تنفيذ إجرامهم وهم متلذذون وآمنون على حياتهم وآخرتهم.وحتى الصحافيون، الذين يؤدون مهامهم النبيلة، مازالوا يذبحون ويقدمون أرواحهم في ميادين القتال والمناطق الملتهبة في العالم حيث شهد عام 2016 وفقاً لإحصائية أصدرتها منظمة "مراسلون بلا حدود" قتل 57 صحافياً وتربعت سورية على عرش قتل الصحفايين الذي قتل فيها 19 صحافيا راحوا ضحية المعارك الطاحنة هناك، تليها أفغانستان التي قتل فيها 10، والمكسيك 9، والعراق 7 واليمن 5، حيث سفكت دماء هؤلاء بدم بارد في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ودفعوا حياتهم ثمناً لجرأتهم وبحثهم عن المعلومات، وكشف الحقائق التي يحاول مجرمو الحرب من قادة الدول والتنظيمات الإرهابية إخفاءها.واليوم، ونحن نطوي صفحات هذا العام الدموي ونستعد غداً بإذن الله المولى عز وجل لاستقبال العام الجديد 2017، نتطلع أن يكون عاماً سعيداً مباركاً تضمد فيه الجراح النازفة في الكثير من الدول ويجمع فيه شتات المشردين ويعود النازحون إلى ديارهم، ويعم السلام على العالم المضطرب، ونتمنى لكويتنا الحبيبة أن يحفظها الله سبحانه وتعالى ويحفظ لنا قائد الإنسانية سمو أمير البلاد، وسمو ولي عهده، وأن تشهد بلادنا نهضة وتقدماً في مختلف المجالات، فلنكن جميعاً أكثر تفاؤلاً بقدوم السنة الجديدة، وكل عام وأنتم بخير.
مقالات - اضافات
عام مصاصي الدماء
31-12-2016