سنة جديدة فقط
ستمر هذه السنة كما مرت مثيلاتها، وأكثر المتفائلين لا يرون فيها نهاية حروبنا الشرقية، ولا بدايات النهاية لمآسي الأبرياء، الذين يدفعون فاتورتها بؤسا ودما، وربما إن أفرطوا في التفاؤل سيرون فيها دمارا أقل وبؤسا أقل ودما أقل. لم تعد أمانينا تتجاوز الحلم بقليل من السلام. الخارطة العربية تتغير في ذهن صناع القرار، وهم جميع من يحيط بنا سوانا. نحن الذين اعتدنا على أن يلبسنا الآخر مخططه دون أن نعترض أو نمانع. لم تمر السنة المنصرمة وتنهي أيامها قبل أن يخرج علينا الإخوة في المجلس الجديد ليطرحوا لنا لجنة غامضة لا نستطيع أن ندرك إلى أين ستقودنا. هذه اللجنة المحاربة للظواهر السلبية لم تحدد لنا ما هي الظواهر السلبية التي ستحاربها، ولا نعرف من يستطيع تقييم ظاهرة ما بأنها سلبية. ويبدو الأمر وكأن دولة مدنية كالكويت ينظم سياستها دستور وقوانين ولوائح وأعراف ويستطيع الجميع اللجوء للقضاء، سواء كانت السلطة نفسها أو المؤسسات والأفراد، تحتاج اليوم بعد بلوغ سن الهرم وليس الرشد إلى عصا لجنة الظواهر السلبية.
ولأننا نقرأ الأمور بشكل جيد، فهذه اللجنة ستضع كبير اهتمامها على مظاهر الحياة الثقافية في البلاد، وهي لن تهتم، كما يدعي أصحابها، بعبدة الشيطان، لكنها ستحاصر حرية الكتابة، وتشديد دور الرقابة على الكتاب والمنجز الثقافي. ستحارب حرية الكلمة، وتعمل مجزرة الرقابة، كما عملت في السنتين الماضيتين. لجنة الظواهر السلبية ستركز على الفعاليات الفنية، التي تشهد إقبالا طيبا في دار الأوبرا، فتمنع حفلا هنا وأوبرا عالمية هناك، لأنها ظاهرة سلبية، كما يرون. سنتبرع هنا وندلّ اللجنة على الظواهر السلبية، والتي بالتأكيد لم ينتبه لها أعضاء اللجنة ولم تكن في حساباتهم وأذهانهم حين بلغ بهم الحماس مبلغه في إنشائها. الظواهر السلبية أيها السادة، هي الحالة السكنية المزرية التي يعيش تحت رحمتها أكثر من مئة ألف إنسان في تيماء والصليبية، الظواهر السلبية هي انعدام فرص العمل والكسب لطاقات شبابية من الجيل الثالث والرابع لهذه الفئة، وتراجع فرص التعليم العالي والتدريب المهني لهم. هذه الظواهر السلبية قائمة طويلة أنتم تعرفونها إلا إذا كنتم ترون فيها ظواهر إيجابية. الظواهر السلبية هي انخفاض أجور العمالة، مقارنة بالمستوى المعيشي وسوء حالتهم السكنية والخدمية في مناطق كأنها خرجت عن نطاق الوطن ولم تعد تنتمي له. مناطق انتشرت فيها الجريمة المنظمة والدعارة ومافيا الرقيق، فهل ستنشغلون بها، أم أن ما في مخيلتكم هو محاربة حريات الناس الشخصية ورقابة الشوارع والأسواق، لتتحول المدينة إلى المدينة الفاضلة؟ ستمر سنة وتبدأ سنة وتتراكم سنوات ونحن أكثر الناس إبداعا في اجترار ذات اللجان التي لا يحتاجها بلد ينظم علاقات الناس فيه قانون وقضاء عادل. لست متشائما غالبا، لكن سنرى مع الأيام هذه الظواهر التي سيتم التصدي لها لن تتجاوز ما ذكرناه والأيام بيننا.