انفلات مصروفات الدفاع ونفقات العلاج بالخارج بأضعاف أثر إجراءات الإصلاح المالي
• عودة التشكيل الحكومي نفسه بدّدت الكثير من أمل الإصلاح
• اتفاق «أوبك» منح الكويت فسحة للعمل الجاد في إصلاح أوضاعها
بلغت اعتمادات المصروفات للسنة المالية 2016-2017 من أبريل 2016 إلى مارس 2017- نحو 18.892 مليار دينار، بتراجع طفيف بنحو 2.2 في المئة عن اعتمادات السنة المالية السابقة لها.
استعرض تقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي أهم أحداث عام 2016، وقال إن وحدة المعلومات لمجلة "الإيكونومست" عدلت تقديراتها للأداء التاريخي للاقتصاد المحلي من سالب -1.6 في المئة و-2.1 في المئة لعامي 2014 و2015 على التوالي، إلى الموجب بحدود 0.5 في المئة لعام 2014، وموجب بنحو 1.8 في المئة لعام 2015. وتتوقع أن يستمر نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الموجب بنحو 2.3% لعام 2016، ويضعف ليصبح بحدود 1.6 في المئة لعام 2017، ثم يستعيد بعض القوة لينمو بنحو 2.6 في المئة في عام 2018، أي يظل نمواً ضعيفاً في كل الأحوال وعاجز عن خلق ما يكفي من فرص عمل. ووفق التقرير، يُتوقع أن يهبط الناتج المحلي الإجمالي الإسمي إلى نحو 32 مليار دينار كويتي عام 2016 من المستوى القياسي البالغ 49.4 مليار دينار عام 2013، ليرتفع إلى مستوى 37.9 مليار دينار عام 2017، ثم إلى مستوى 41 مليار دينار عام 2018.
أسعار النفط
في التفاصيل، بلغ معدل سعر برميل النفط الكويتي عام 2016 نحو 38.9 دولاراً أميركياً هبوطاً من معدل بلغ نحو 48 دولاراً عام 2015، أي فاقداً نحو 18.9 في المئة، لكن التفاوت في سعر البرميل بلغ نحو 115.1 في المئة بالموجب، ما بين أدنى معدل سعر له في شهر يناير 2016، وكان نحو 23.3 دولاراً، و50 دولاراً لمعدل شهر ديسمبر من العام نفسه، أي إنه بدأ العام ضعيفاً جداً، وأنهى العام بمستوى مرتفع، وهو أمر جيد. وكانت "أوبك" والدول المنتجة خارجها قد اتفقت على سحب نحو 1.8 مليون برميل يومياً من السوق (1.2 مليون برميل يومياً لأوبك و600 ألف برميل يومياً للدول المنتجة خارجها) بعد أن أنهكتها حروب فائض الإنتاج، وكان رد الفعل قصير الأمد هو ارتفاع سعر البرميل بأكثر من 20 في المئة، بينما خسائر الإنتاج لأوبك بحدود 3.6 في المئة ونحو 4.9 في المئة للكويت. وإن صمد إتفاق النفط الأخير، فسوف تتغير مؤشرات أداء الاقتصاد الكلي إلى الأفضل -مستوى النمو الاقتصادي ووضع الموازين الخارجية والداخلية- والعكس أيضاً صحيح، لذلك لابد من الحذر عند قراءة تنبؤات أداء الاقتصاد المحلي في المستقبل، فهامش الخطأ المحتمل يظل كبيراً.إعتمادات المصروفات
بلغت اعتمادات المصروفات للسنة المالية 2016-2017 -أبريل 2016 إلى مارس 2017- نحو 18.892 مليار دينار كويتي، بتراجع طفيف بنحو 2.2 في المئة عن اعتمادات السنة المالية السابقة لها، رغم أثر انخفاض أسعار النفط على خفض مصروفات دعم الوقود والطاقة في الموازنة العامة. وبدأ مشروع الإصلاح المالي من أقل البنود من حيث التأثير على ردم الفجوة المالية -الديزل والكهرباء والماء والبنزين- وأكثرها إثارة للاعتراض والجدل، بينما انفلتت مصروفات الدفاع ونفقات العلاج في الخارج وبأضعاف أثر إجراءات الإصلاح المالي. وحتى تلك الإجراءات، تمت بعد المساومة، إعفاء السكن الخاص للمواطنين من زيادة رسوم الكهرباء والماء، كما تم منح المواطنين 75 لتر بنزين خصوصي مجاناً شهرياً. بمعنى آخر، غابت القدوة لدى الحكومة، وجاءت أولوياتها عكسية، وجاء رد فعل الشارع عليها في نتائج الإنتخابات النيابية في 26 نوفمبر 2016 الذي عاقب فيه مجلس 2013 والحكومة، لكنها لم تنفع وعادت نفس الحكومة، وعليه يكاد يكون من المستحيل تبني أي سياسات جوهرية للإصلاح المالي أو الاقتصادي.ومع ضعف محتمل وطويل الأمد لسوق النفط، الذي بات أقصى ما يمكن أن يصله سعر برميله، حدود 60 دولاراً، وهو دون سعر التعادل لأي موازنة قادمة، ومع اتجاه الحكومة إلى اللجوء لسوقي الاقتراض المحلي والعالمي، إضافة إلى تسييل أصول ضمن احتياطياتها المالية، بات من المؤكد عدم استدامة الوضع المالي والاقتصادي، وتداعيات عدم الاستدامة مراهنة خطير على استقرار وليس نماء البلد في المستقبل.رفع سعر الخصم
وبعد رفع الفدرالي الأميركي "البنك المركزي" سعر الفائدة على الدولار بربع النقطة المئوية في ديسمبر 2015، وربع النقطة المئوية في ديسمبر 2016، قام بنك الكويت المركزي برفع سعر الخصم إلى 2.25 في المئة بعد الزيادة الأولى، ثم إلى 2.5 في المئة بعد الزيادة الثانية، مما يعني بدء سياسة نقدية إنكماشية. يحدث ذلك، رغم اختلاف الموقع في دورة الاقتصاد الأميركي مقارنة بدورة الاقتصاد الكويتي، فالأول يشهد بداية انتعاش حتمت عليه استباق سخونة الاقتصاد والتحوط من التضخم، بينما الثاني قابع في موقع ضعف الأداء، ويحتاج إلى سياسة نقدية توسعية. لكن، قرار بنك الكويت المركزي صحيح، لأن أهدافه تكمن في توطين الدينار الكويتي، ومخاطر الفشل في توطينه أعلى بكثير من مخاطر ضعف النمو الاقتصادي، لعل عام 2017 يحمل ضغوطاً أكبر، إذ من المحتمل تكرار رفع أسعار الفائدة على الدولار، ومعها على الدينار الكويتي أيضاً، أي مزيد من السياسة النقدية الانكماشية. ومع ضعف معدلات النمو الاقتصادي المحلي، ومع بدء سياسة نقدية انكماشية، ومع عجز بائن لدى الإدارة العامة لتبني وتطبيق سياسات إصلاح مالي واقتصادي حقيقية، وتنامي أحداث العنف الجيوسياسية في الإقليم، كلها أدت إلى انحسار الثقة، وسببت ضغوطاً على سيولة وأسعار الأصول الرئيسية في الكويت. فبعد فقدان البورصة لنحو 35.2 في المئة من سيولتها، وفقدان مؤشر الشال نحو 17.6 في المئة من قيمته عام 2015، فقدت البورصة نحو 27.5 في المئة من سيولتها ونحو 0.8 في المئة من قيمة مؤشر الشال عام 2016، الذي شهدت نهاياته ارتفاع أسعار النفط، ومن نتائجه استمرار انحسار قيم ثروات الناس في السوق المحلي، ومعها انحسار قيم رهونات البنوك من الأسهم. ولم يكن سوق العقار أفضل حظاً، فبعد فقدان 33.5 في المئة من سيولته عام 2015، فقد نحو 28 في المئة من سيولته عام 2016 -أرقام شهر ديسمبر تقديرية- وفقدت معظم مكونات السوق -خاص، استثماري وسكني- هامشاً من أسعارها، ولا نستطيع ذكر نسب الانخفاض لغياب مؤشرات أسعار لتلك المكونات.أحداث العنف الجيوسياسية
في خلاصة، لم تكن أحداث عام 2016 إيجابية من حيث تأثيرها على الاقتصاد المحلي، فسوق النفط استمر بالضعف، وأحداث العنف الجيوسياسية استمرت في التصاعد، والإدارة العامة المحلية استمرت في عجزها عن خفض مستوى التداعيات المترتبة عليهما، وأصبح من غير المتوقع بدء مرحلة بناء. ومازال أداء الاقتصاد العالمي ضعيفاً، وفقدت الدول المحركة للطلب على النفط مثل الصين ونمور آسيا هامشاً أعلى من معدلات نموها التاريخية، أي ساهم كل من ضعف النمو الاقتصادي والتطورات التقنية لإنتاج النفط غير التقليدي وتطورات الحفاظ على البيئة، في تأكيد استمرار ضعف سوق النفط على المدى الطويل. وحدث تحول إيجابي وحيد خلال العام، وكان اتفاق "أوبك" والدول المنتجة للنفط خارجها على ضبط إنتاجها مما منح الكويت والدول المعتمدة بشكل كبير على تصدير النفط فسحة من وقت، وإن قصيرة، للعمل الجاد في إصلاح أوضاعها، لكن عودة نفس الحكومة بصلبها، بدد الكثير من أمل الإصلاح.
من المحتمل تكرار رفع أسعار الفائدة في 2017 على الدينار ما يعني مزيداً من السياسة النقدية الانكماشية