اعتادت الصحف والمجلات والقنوات والمنابر الإعلامية، في نهاية العام، رصد أبرز الأحداث الداخلية والخارجية الأكثر تأثيرا داخلياً وخارجياً، فاختارت مجلة تايم الإخبارية السنوية الصادرة من الولايات المتحدة، الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لاستحقاق لقب شخصية العام، فهو "عام ترامب" بعد أن فاجأ العالم بفوزه غير المتوقع من قبل مراكز الاستطلاعات العالمية كافة، مما أثار تساؤلات حرجة حول دقة أو صدقية تقاريرها. وذهب آخرون إلى أن أهم الأحداث العالمية صعود المد اليميني الشعبوي وانتعاشه وازدهاره في أميركا وأوروبا، وتأثيره السياسي الحاسم في فوز ترامب بالرئاسة، تحت شعار: الولايات المتحدة أولا، وكذلك في انسحاب بريطانيا من الاتحاد، البريكسيت، والذي ما زال متعسرا، وذلك بعد حملة تضليل وكذب ناجحة قام بها الشعبويون، وفي رفض خطة الإصلاح الاقتصادي في إيطاليا، مما اضطر رئيس وزرائها للاستقالة.
الشعبويون أصبحوا يهددون كرسي ميركل، وهم اليوم قاب قوسين من الإليزيه، يتوعدون الاتحاد الأوروبي بانسحابات قادمة، إذا وصلوا إلى السلطة، وقد نجحوا في إرغام حكوماتهم على اتخاذ المزيد من إجراءات التشدد في سياسات الهجرة واللجوء، وفي الإجراءات الأمنية المتخذة لمواجهة الإرهاب، وتعزيز الرقابة على الحدود، وقد ينجحون في تغيير سياسة الحدود المفتوحة في أوروبا، بحجة أن الإرهابيين يستغلونها في التنقل بكل سلاسة. فهو إذاً "عام الشعبويين" بجدارة، ويفضل آخرون أن يصفوا العام الراحل، بـ"عام الإرهاب" بامتياز، كونه أغرق أوروبا وأميركا في الرعب وصبغهما بالدم: من شاطئ الريفيرا إلى مسرح الباتكلان، مرورا بعمليات بروكسل، وصولاً إلى فلوريدا، وأسواق الميلاد في برلين، أصبح الإرهاب يحاصر العالم. وطبقا لتقرير لجنة الأمن القومي الأميركي لديسمبر: أن الولايات المتحدة واجهت خلال 2016 أكبر تهديدات إرهابية منذ تفجيرات 11 سبتمبر 2001، وأضاف التقرير: أن "داعش" نفذ 62 هجمة إرهابية حول العالم، كانت حصيلتها 732 جريحاً و215 قتيلا، منهم 66 قتيلاً و136 جريحاً في الولايات المتحدة وحدها، كما مرت تركيا بأسوأ موجة من الهجمات الإرهابية، وأما في العالم العربي، فقد كثف الإرهاب عدوانه على أماكن العبادة كالمساجد والكنائس والمناسبات الدينية بشكل وحشي، قصد به التطهير الديني والمذهبي، وبخاصة المسيحيين، كما في العملية التي استهدفت الكنيسة البطرسية 12 ديسمبر في القاهرة، ليعلن رأس الإرهاب الداعشي، البغدادي أن دولة الخلافة ماضية في إراقة دماء وحرق أبدان كل كافر ومرتد. وينقضي العام ويظل الإرهاب داء البشرية الأول، الذي لم نفلح في علاجه، بعد، رغم كل دعوات التسامح وخطابات التنوير والتحديث ومنابر التعليم والوعظ الديني، ومؤتمرات الحوار، ورأى بعض الباحثين الغربيين والعرب، في أحداث العام الماضي، إرهاصات مقلقة على مستقبل الديمقراطية الليبرالية، لجهة تراجع قناعات الشعوب في جدوى الديمقراطية، ضامناً للأمن والاستقرار في مواجهة التحديات الإرهابية، فوصفوا العام بأنه "عام محنة الديمقراطية"، حيث تراجعت في 48 دولة من أصل 120 دولة على مستوى العالم.في تصوري أن كل هذه التوصيفات صحيحة، لكني أراها أعراض لظاهرة واحدة: ظاهرة انفجار أو "ثورة الهويات الأصلية"، هوية الرجل الأبيض الناقم على الآخر، والغاضب على حكومته وعلى العولمة وعلى الواقع الاقتصادي، إثر استشعاره الخطر الوافد على هويته الأصلية، فأصبح الرجل الأبيض، اليوم، قلقاً على هويته الأصلية، فزعاً من الغزو الأجنبي، يرى في تدفق المهاجرين، من جهة، وتزايد نسل المقيمين من غير الأصول الأوروبية، من جهة ثانية، وتصاعد العمليات الإرهابية التي أثارت الرعب في مجتمعه، من جهة ثالثة، تهديداً حقيقياً لهويته وثقافته، بل لأمنه ووجوده. وهذا ما يفسر تصاعد المد الشعبوي ضد الحكومات المتسامحة مع الآخر، وضد سياسة الحدود المفتوحة كعماد بناء الاتحاد الأوروبي، وضد المد العولمي، فثورة الهويات الأوروبية تؤكد أن الهوية أشبه بالبصمة الوراثية، نواتها صلبة، لا تذوب مهما تعولمت وانفتحت وتحضرت واندمجت، وهذا يؤكد لنا أنه لا خوف على الهوية الوطنية والخليجية والعربية من العولمة.* كاتب قطري
مقالات
عام انفجار الهويات الأصلية
02-01-2017