الفرق بين الإقصاء السياسي وحماية النظام الديمقراطي
إن العناصر والتنظيمات الطائفية والفئوية والعنصرية التي تتسيد الساحة السياسية وتنشر خطاب الكراهية الذي يُفتّت المحتمع، بل يعلن بعضها عداءه السافر للحريات العامة والشخصية وقيم الديمقراطية، تعتبر خطراً على استقرار المجتمع وتماسكه وتقدمه الديمقراطي.
كل لعبة رياضية ككرة القدم، على سبيل المثال لا الحصر، لها قواعد عامة يجب على أعضاء الفريق الالتزام بها عند ممارسة اللعبة، وإلا تم استبعادهم (طردهم) من الملعب، كما أن هناك قوانين تنظم عمل الاتحادات الرياضية العالمية مثل "الفيفا و"اللجنة الأولمبية الدولية" يترتب على عدم التزام دولة ما بها تجميد مشاركتها في الأنشطة الرياضية الدولية مثلما حصل، مع بالغ الأسف، لدولة الكويت. والشيء ذاته ينطبق على ممارسة العمل السياسي، فهناك قواعد وشروط عامة مُستمدّة من نصوص الدستور وروحه الهدف منها المحافظة على بنية النظام المدني الديمقراطي، لذا يجب على من يعمل في الشأن السياسي الالتزام بها، وإلا فمن واجب الحكومة حظر نشاطه لأنه خرج عن قواعد اللعبة المعمول بها، مع الأخذ في عين الاعتبار أن حجم الضرر الواقع على المجتمع والدولة الذي يسببه من يسيء ممارسة السياسة لا يمكن مقارنته، بأي حال من الأحوال، بحجم ضرر لاعب رياضي، أو فريق كرة قدم، أو حتى تجميد النشاط الرياضي.
وفي واقعنا المحلي، فإن العناصر والتنظيمات الطائفية والفئوية والعنصرية التي تتسيد الساحة السياسية وتنشر خطاب الكراهية الذي يُفتّت المحتمع، بل يعلن بعضها عداءه السافر للحريات العامة والشخصية وقيم الديمقراطية، تعتبر خطراً على استقرار المجتمع وتماسكه وتقدمه الديمقراطي، فهي تستغل الآليات والإجراءات الديمقراطية، وهامش الحريات من أجل وأد النظام الديمقراطي والعودة بالمجتمع قروناً للوراء، أي أنها تعمل بإصرار على خرق القواعد الدستورية العامة التي تؤسس لقيام دولة مدنية ديمقراطية حديثة.على هذا الأساس، فعندما تُطالب الدولة بحظر ممارسة هذه العناصر والجماعات للعمل السياسي والعام، مثلما تفعل دول ديمقراطية كثيرة مع التنظيمات النازية والعنصرية، فإن ذلك لا يعتبر إقصاء سياسياً كما قد يلتبس على بعض الناس، بل هو في حقيقة الأمر حماية للمجتمع والدولة وقواعد العملية السياسية-الديمقراطية التي ينتج عنها تطور المجتمع وتقدمه، علاوة على أن ذلك دفاع مُستحق عن النظام المدني الديمقراطي الذي يتسع للجميع ولا يقصي أحداً ما لم يخالف قواعده العامة ويستغل آلياته وإجراءاته بشكل سيئ ومقصود من أجل هدمه من الداخل. بعبارات أخرى مختصرة، فإن الاستبعاد من ممارسة "اللعبة" الرياضية أو السياسية لمن لا يلتزم بقواعدها العامة وضوابطها، ويعمل على هدمها من الداخل، يختلف اختلافاً كلياً عن الإقصاء الرياضي أو السياسي لمن يلتزم بالقواعد والشروط العامة.