كيف يستطيع ترامب صوغ السياسة الخارجية؟
يمكن تلخيص مقاربة الرئيس المنتخب ترامب إلى الشؤون الخارجية بما يلي: لنضع الولايات المتحدة أولاً ولنحقق الانتصارات بدل الهزائم، ولكن ما يعنيه ذلك عملياً؟من وودرو ويلسون إلى أوباما تخيل الرؤساء أن سياسة الولايات المتحدة اليوم عاجزة أمام إصرار الصين وروسيا وتشجيع الإسلاميين المتطرفين الأميركيين على قتل الأميركيين في الولايات المتحدة.بغية تحويل قوى الولايات المتحدة إلى انتصارات، على ترامب أن يحافظ على فائض من السيطرة على الالتزامات، متبنياً أسلوب الحكم الذي اتبعه في الحقبة قبل التقدّمية كل الرؤساء من جورج واشنطن حتى ثيودور روزفلت، علماً أن لا أحد بعدهم تبنى هذا الأسلوب سوى رونالد ريغان، الذي كان شعاره في مجال السياسة الخارجية "ننتصر فيخسرون".
يعتمد إبقاء الولايات المتحدة في حالة سلام (وهذا تعريف النجاح في الشؤون الدولية) على تحلي هذا البلد بالرغبة والقدرة لينتصر في الحروب بشتى مستوياتها، وخصوصاً الأعلى بينها: الحرب النووية. وكما كتب هرمان كان قبل زمن بعيد، يعني ذلك اتباع "سياسات متماسكة ومنطقية لاستعمال الأسلحة النووية"، ومع انتشار الأسلحة النووية وأنظمة إيصالها، يجب أن تعكس سياسة الولايات المتحدة النووية محاولتنا البائسة لاستبعاد هذه الأسلحة عن العمليات الروتينية التي تنفذها القوات المسلحة الأميركية. علاوة على ذلك يجب حماية الأميركيين من صواريخ روسيا والصين البالستية.يلزم أيضاً أن يعيد ترامب النظر في نشر القوات الأميركية في الخارج، وباستثناء الوحدات التي تقاتل حركة طالبان الأفغانية وتنظيم "داعش"، تُنشر القوات الأميركية بهدف توسيع نفوذ هذا البلد السياسي والعمل كخط دفاع أول يُطلق تعرضه لهجوم عملية عسكرية أوسع. إذاً، لا تُنشر هذه القوات لخوض الحروب والفوز بها، وترمي الخطط الحالية إلى نشر المزيد من الوحدات لتكون خطوط دفاع أولى بغية ردع توسّع روسيا في أوروبا الشرقية، لكن المناظرات العقيمة حول ما يجب فعله عند تعرض هذه الوحدات لهجوم يحوّل نشرها إلى رمز للضعف لا القوة.على نحو مماثل تعتمد قيمة القواعد البحرية البعيدة والسفن والطائرات التي تعمل قرب السواحل العدائية على الأرجح على قدرتها على الدفاع عن نفسها، لكن الواقع يُظهر أن الحفاظ على القواعد الأميركية في غرب المحيط الهادئ أو مجرد حماية قدرتنا على ولوج خطوط الشحن في هذه المنطقة في وجه المعارضة الصينية العنيدة يتطلب قوات البحرية بأكملها، ونظراً إلى هذا الواقع علينا ألا نعرض الأسطول للخطر جزءاً تلو الآخر. كذلك على ترامب الإقرار بأن حرب العالم الإسلامي شأن خاص به، ويجب ألا يتدخل في مساره المضني، حاداً بالتالي من الاحتكاك البشري به وبالمناطق التي يتفشى فيها الإيبولا والزيكا.لا تستطيع واشنطن طرد روسيا من المناطق الأوكرانية الناطقة بالروسية، ولكن بما أن روسيا تتحول عند سيطرتها على أوكرانيا إلى قوة عالمية قادرة على ترويع أوروبا وتهديد الولايات المتحدة، يجب أن يوضح ترامب أن الولايات المتحدة مستعدة لدعم استقلال غرب أوكرانيا (ودول البلطيق) بمساعدة عسكرية كبيرة مدعومةً كحل أخير بقوة أميركية تهدف إلى تقويض روسيا اقتصادياً.تدرك الصين أن لتوسعها حدوداً، وترسم المقاومة هذه الحدود، فتنشر نفوذها من خلال خطوات عدة: صواريخ، وطائرات، وسفن للسيطرة على البحار المجاورة والتوسع شرقاً عبر شبكة من الجزر الاصطناعية الحافلة بأجهزة الاستشعار والمجهزة لدعم القوات العسكرية، ومن الضروري أن يرد ترامب بخطوات تتسم بالجدية عينها: الدفاع عن الولايات المتحدة، فضلاً عن غوام واليابان، ضد كل صواريخ الصين البالستية والتأكيد للصين أن الولايات المتحدة المحصنة ستستهدف في حالة الحرب كل قواعدها بطريقة تفوق قدرتها على الدفاع، وفي هذه الحالة قد تصغي الصين إلى الوعد بأن ترامب سيتخلى عن دعم تايوان مقابل تفكيك الصين جزرها الاصطناعية، ولا شك أن الصين لن ترفص عرضاً مماثلاً.* أنجيلو كوديفيلا* «واشنطن تايمز»