ستبقى إيران، حتى إن بقي "البعض" يدافع عنها ويواصل تغطية وجهها بأجمل المساحيق، تشكل خطراً فعلياً على هذه المنطقة واستقرارها، وخاصة بعد تثبيت أقدامها في العراق وسورية، فضلاً عن لبنان من خلال "حزب الله"، لذلك علينا أن نفتح عيوننا جيداً، فالمثل يقول: "من مأمنه يؤتى الحذر"، وخاصة أنه إذا تمكن الإيرانيون من ترسيخ أقدامهم في هاتين الدولتين العربيتين، فإن العديد من الدول العربية ستصبح مهددة بصورة جدية وفعلية.

منذ حوالي عشرين عاماً، وربما أكثر، حاولت إيران - وهذا قلته وكتبت عنه مرات عدة - بالأساليب الناعمة وأيضاً بالتهديد والوعيد إقناع الزعيم الكردي مسعود البارزاني بمنحها "كاريدوراً" برياً عبر الإقليم الكردستاني في شمالي العراق يربطها جغرافياً بالأراضي السورية، لكن رئيس هذا الإقليم واجه كل المحاولات الإيرانية الدؤوبة بالرفض القاطع، لمعرفته بما سيشكله هذا الممر من خطر على مشروع الأكراد الوطني والقومي، إن في العراق أو إيران أو تركيا، سواء الآن في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة، أو على المدى البعيد.

Ad

لكن الإيرانيين، رغم كل هذا الرفض الكردي الحاسم، بقوا يحاولون، إنْ بـ"الدبلوماسية الناعمة"، وإنْ بالتهديد والوعيد، حَمْل مسعود البارزاني على الاستجابة لمطلبهم هذا، ثم بالتأكيد سيواصلون محاولاتهم هذه، حتى بعدما وصل احتلالهم العسكري ووصلت هيمنتهم السياسية إلى سورية بعد العراق، فالإقليم الكردستاني، حيث أوجد قاسم سليماني لطهران قاعدة متقدمة في السليمانية، يعد المعبر الاستراتيجي بين الدولة الإيرانية والدولة السورية والدول المجاورة القريبة، وصولاً إلى شواطئ المتوسط الشرقية.

لهذا، فإن هذه "التسوية"، التي طرحها الروس والأتراك لإنهاء الأزمة السورية، على أساس "جنيف1" والقرارات الدولية المتعلقة بإنهاء هذا الصراع الذي بدأ في عام 2011 ووصل بسبب التدخلات الخارجية إلى ما وصل إليه، لا يمكن أن يكتب لها النجاح ما لم يتم إخراج الإيرانيين، سياسياً وعسكرياً وميليشياوياً، من كل الأراضي السورية، فبقاء هؤلاء سيشجع نظام بشار الأسد على مواصلة المناورات والألاعيب التي اتبعها، ولا يزال، وخاصة بعد أزمة "الضربات الكيماوية" المعروفة، والتي نظراً لميوعة ورداءة أداء الإدارة الأميركية، بقيادة باراك أوباما، أبقته حتى الآن، بعدما كان على وشك الانهيار النهائي!

وهكذا، فإنه يجب التركيز، إن بالنسبة للمعارضة السورية، وإن بالنسبة لتركيا وكل الدول المعنية بهذه المسألة، ومن بينها الأردن ودول الخليج العربي، على هذا الأمر، وقد ثبت أن الإيرانيين جادون في إعادة كتابة تاريخ هذه المنطقة مجدداً، ووفقاً لما كان قائماً عندما كانت هناك الدولة الفاطمية، وكان هناك القرامطة والحشاشون، قبل أن يعيد صلاح الدين الأيوبي الأمر إلى أهله... إلى الدولة العباسية، لذلك يجب أن يكون موقفنا واضحاً، وهو أنه لا يمكن للمبادرة الروسية – التركية أن تحقق النجاح المرجو والمطلوب، ما لم يخرج الإيرانيون نهائياً من الأراضي السورية، كل الأراضي السورية، وما لم يكن هذا الخروج الخطوة الأولى للتطبيق الفعلي لهذه المبادرة.