عراق 2017: إفلاس مالي وانهيار التحالفات التقليدية وغموض المستقبل السني

نشاط الميليشيات يتصاعد وقادتها منشغلون ببناء نفوذهم

نشر في 03-01-2017
آخر تحديث 03-01-2017 | 00:10
عراقيون يتفقدون مكان الانفجار في مدينة الصدر أمس (إي بي أيه)
عراقيون يتفقدون مكان الانفجار في مدينة الصدر أمس (إي بي أيه)
يعترف كبار الساسة في العراق بأن سنة 2017 ستكون من أقسى السنوات التي مرت على البلاد منذ سقوط صدام حسين قبل نحو 14 عاماً، إذ يواجه العراق نقصاً غير مسبوق في الأموال، وتتحرك فيه بحرية أكبر تجمعات الفصائل المسلحة الشيعية مهددة سيادة الدولة، يرافق ذلك انقسام نادر داخل البيت الشيعي، وفي المجموعة المقربة من المرجع الأعلى علي السيستاني الذي يعتبره معظم العراقيين ضمانة أخيرة للنهج المعتدل.

ولم تتسلم الحكومات المحلية أي مبالغ تُذكر للبناء والإعمار منذ صيف 2014، حين اندلعت الحرب مع «داعش» وبدأت أسعار النفط تتهاوى، وأعلنت البصرة، وهي مركز صناعة البترول، أنها لم تتسلم سوى نحو 250 مليون دولار لاستكمال مشاريع قديمة، بينما كانت حصتها نحو 3 مليارات دولار حتى 2014، مما جعل أكبر شركات المقاولات في البلاد على حافة الإفلاس، إذ لا يوجد مال لتسليمها مستحقاتها السابقة، وسط مخاوف علنية من عجز الحكومة عن دفع المعاشات خريف 2017.

وانتهى عام 2016 دون أن ينجح العراقيون في القضاء على «داعش» بالكامل، رغم التضحيات الكبيرة التي قدمها الجيش، والتقدم المهم الذي حصل، إضافة إلى الدعم الدولي الذي تلقوه، إذ لا يزال التنظيم يسيطر على ثلثي الموصل، ومناطق مهمة غرب كركوك، وبلدات أساسية قرب الحدود مع السعودية، ما يعني أن عراق 2017 سيبقى ميدان معارك كبيرة.

وليس هذا هو التحدي الأمني الوحيد، إذ تشهد بغداد نشاطاً متزايداً لما يبدو أنه ضمن العمل الميليشياوي، فأكثر من نصف الفصائل الشيعية، البالغ عدد مقاتليها نحو 100 ألف، موجودة في المدن ومنخرطة في صراع على المال والنفوذ، وخلال الأسبوع الأخير من العام المنصرم اختطفت صحافية معروفة بانتقادها للمسلحين أمام أعين أولادها في بغداد، كما قُتِل نحو ثمانية مسيحيين يبيعون الكحول، وتصاعدت معدلات الخطف والاغتيالات مستهدفة جميع الطوائف.

وتشعر الميليشيات أن دورها في الحرب ضد «داعش» انتهى، حيث يجري منعها من المشاركة في حرب شوارع الموصل، بينما تنخرط في القتال وحدات أميركية بنحو متزايد، ولذلك فإن قادة الفصائل ينشغلون ببناء نفوذهم في المدن الآمنة، دون أن يكون لدى رئيس الحكومة حيدر العبادي مقاتلون بأعداد كافية لمواجهة ذلك، إذ تسخر كل إمكانيات البلاد للحرب.

وبدلاً من أن ترمم الأطراف الموصوفة بالاعتدال والداعمة لسيادة الدولة، تحالفاتها استعداداً لمواجهات ساخنة في 2017 تمهد لسباق الانتخابات، تنشب حرب كلامية بين العوائل المحركة للسياسة، خصوصاً عائلتي عمار الحكيم، ومقتدى الصدر الذي أنهى خلافاته مع رئيس الحكومة بنحو مفاجئ نكاية بالحكيم حليفه العتيد السابق، وشماتة برئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي يجهز لانشقاق كبير، كما يبدو، في حزب الدعوة الحاكم، ويقترب أكثر من طهران طارحاً نفسه «عراب» الفصائل المسلحة المدعومة إيرانياً.

ولا تبدو العلاقة مع أربيل على ما يرام أيضاً، بل ينقسم الأكراد بشكل دراماتيكي، بينما تتعمق أزمتهم الاقتصادية إلى حد المجاعة، وتذهب السليمانية نحو إيران والمالكي، وتظل أربيل على علاقة متذبذبة مع أنقرة وبغداد، مما يجعل سياسة 2017 مهيأة لعواصف وديناميكيات سلبية لم تجربها قواعد التوافق البرلماني سابقاً.

أما أكثر التحديات الجديدة تعقيداً فهي مستقبل الإدارة السياسية والأمنية في المدن «السنية» المحررة من «داعش»، فلا الحكومة تمتلك خطة جاهزة لخلق واقع إداري جديد يمنع تكرار أخطاء المرحلة السابقة، التي مهدت لظهور تمرد مسلح استثمره «داعش»، ولا القوى السنية تمتلك تقارباً داخلياً كافياً لإنتاج موقف تفاوضي مع بغداد على إدارة المدن وأمنها، وتحقيق ما يشبه الحكم الذاتي استثماراً لروح الدستور اللامركزية والفدرالية.

ولم تظهر مبادرات قوية طوال أكثر من عامين بهذا الخصوص، باستثناء محاولة عمار الحكيم الموصوفة بـ»التسوية الوطنية»، لكنها أيضاً ورقة لم تلق ترحيباً من السُّنة ولا من متطرفي الشيعة، رغم قبولها دولياً وإمكانية دعمها عربياً.

وسيكرس هذا الفراغ عام 2017 زماناً للسجال الحاد حول مستقبل المجتمع السني في العراق، كما لم يحصل من قبل، وسيتأثر ذلك بنحو مباشر بالترتيبات السياسية في سورية، والتوافقات التركية الروسية مع إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، الذي لا أحد يتوقع سياسته بشأن الشرق الأوسط بعد.

back to top