«خمسون غراماً من الجنة» للروائية اللبنانية إيمان حميدان

فصول «إنسانية» من حكايات الحرب في لبنان

نشر في 04-01-2017
آخر تحديث 04-01-2017 | 00:04
No Image Caption
في روايتها «خمسون غراماً من الجنة» (فائزة بجائزة كتارا للرواية العربية 2016 عن فئة الرواية المنشورة)، الصادرة عن «دار الساقي»، ترسم الروائية اللبنانية إيمان حميدان أحداثاً تدور بين زمنين مختلفين تفصل بينهما 17 سنة، وتلقي الأضواء على بيروت بعد انتهاء الحرب التي عصفت بها على مدى سبع عشرة سنة، كذلك تتوقف في محطات عند القضايا التي تواجه المرأة وبلغت ذروتها خلال الحرب، فضلاً عن تغير النظرة الاجتماعية إليها بفعل الأحداث ودخول مفاهيم جديدة وتبدلات على الصعد الاقتصادية والسياسية.
تنطلق رواية «خمسون غراماً من الجنة» من أوائل تسعينيات القرن الماضي، معيدةً إلى الأذهان بيروت وهي تلملم حياتها الطبيعية التي هجرتها سنوات طويلة. لكن آثار الحرب تبقى محفورة في الأذهان وفي القلوب، ويصعب محوها.

تتعدد الشخصيات داخل الرواية، ولكل واحدة، رئيسة كانت أو ثانوية، حكاية تتداخل مع غيرها لتشكّل مجتمعة الحبكة الرئيسة التي تتوزّع فصولها بين كل من باريس وبيروت ودمشق واسطنبول وماردين، وتستخدم المؤلفة تقنيات عدة كالرسائل، واليوميات، والتداعيات، والتذكّر، والفلاش باك.

أحداث متقاطعة

تبدأ الرواية بعودة «مايا» من باريس برفقة زوجها المصاب بالسرطان لتدفنه في قريته بعد وفاته، ولتعمل في فيلم حول إعادة إعمار بيروت.

خلال إعدادها الفيلم، تدخل مصادفة أحد البيوت المهجورة فتعثر على رسائل ودفتر يوميات وصور تعود إلى بدايات الحرب في لبنان، أي إلى سنتي 1975 و1976. يدفعها فضولها إلى الاطلاع على هذه الأوراق كافة بين يديها، إذا بها تكتشف قصة حب بين «نورا»، صحافية هاربة من دمشق إلى بيروت، و»كمال» الناشط التركي الذي تلتقيه الفتاة خلال تحقيق كانت تجرية حول المدن المتوسطية من بينها اسطنبول. هكذا نما بينهما حب، دفعه إلى التساؤل:

«أسبوعان قضيناهما معاً في اسطنبول غيّرا حياتي. هل هذه هي السعادة؟ هل هذا هو الحب؟ لم أعرفه بعد رغم سنواتي التي تخطّت الثلاثين. كأنني كنت أنتظرك، أنت التي من عمر الأرض. حين سافرتِ وجدت نفسي وحيداً، كذلك الشعور الذي ملأني في اليوم الأول من ذهابي إلى المدرسة، والشعور بالتخلي، والوحدة التي عليّ مواجهتها. أن أتذكر كل ذلك في عمري الآن، وبعد سفرك، يسمح لي أن أرى إلى أي درجة وجودك القصير هنا ربطني بك».

نساء مقهورات

مع تتالي الأحداث، تلقي الروائية إيمان حميدان الضوء على آثار العنف والحرب والاستبداد على المرأة، رغم أنها لم تشارك في صنع أيٍّ منها، من بينها حكاية انتحار «هناء»، التي كتبتها «نورا» ونشرتها بعد هربها إلى بيروت كي تفضح الظلم، فقد قتلت ووضعت جثتها في انفجار للتغطية على الجريمة، وحكاية «صباح» المرأة التي قاد بحث «مايا» عن خيوط الحكاية إليها، لتروي الأخيرة لها قصتها المؤلمة، منذ أحبت رجلاً وهربت معه ليومين، مروراً بتزويجها من ابن عمتها لدرء الفضيحة، وقدومها إلى لبنان، وانتهاءً بزوجها المفقود خلال الحرب، وما زالت تنتظره رغم السنوات الطويلة التي مرت. «تخلو البلدة معظم فصول السنة من رجالها، يسافرون إلى المدن للعمل ويتركون النساء والأطفال في البيوت. يعودون نهاية كل فصل ليومين أو ثلاثة ثم يرحلون من جديد، تبدأ بعدها مواعيد عودتهم بالتباعد، وأحياناً لا يعودون طوال السنة. كنّ يبدون من بعيد كمجسمات مكررة لبينيلوب. نساء ينتظرن عودة الرجال من أعمالهم، أو عودة المقاتلين من الحرب، إلا أن الحرب تأتي وتغيب، وهن ينتظرن بملابسهن الداكنة».

نبشت «مايا» الماضي في محاولة لإحياء حكاية حب طمرت تحت ركام الحرب، حكاية حب كانت جنة لأبطالها، «وفي القاهرة، ذهبت إلى خان الخليلي. هناك رأيت عطاراً يبيع العطور بقوارير زجاجية هشة، شممت عطراً من قارورة صغيرة انعكست عليها ألوان قوس قزح، (...) فجأة سمعت العطار يسألني بالإنكليزية وبلكنة مصرية ظريفة: هل خمسون غراماً من الجنة تكفي؟ قال غراماً ولم يقل ملليمتراً... ماذا يهمّ، قلت في نفسي... يكفي أنه يعرض عليّ الجنة، وما يعرضه كثير عليّ يا حبيبتي... كثير... يكفيني غرام واحد من جنتنا معاً».

أوجاع متوارثة

حكايات مؤلمة ترسم عالماً لا مكان فيه إلا للمعاناة المتعددة الوجوه، معاناة مايا العائدة بزوجها الميت وطفلهما شادي، «نورا» التي وجدتها مايا، ووحدها المصادفة تؤدي دوراً بين كل هذه الروايات، «زياد» يموت من المرض و«نورا» تموت بالانفجار، يمكننا هنا أن نجد بين الروايتين موازاة «سيمتريه». في أحد النموذجين ترحل المرأة وفي الآخر يغادر الرجل. هكذا تتداخل هذه الروايات وتتكرر الآلام وترسم خطوطاً لا تُمحى مهما مرّ عليها الزمن، وكأن إيمان حميدان أرادت من خلال الرواية أن تقول إن عبث الأنظمة الكبرى بالشعوب الصغيرة لا يمكن أن تمحو الأيام والسنوات آثاره، بل تتوارث الأجيال هذه الأوجاع... ذلك كله ضمن انسيابية في السرد، وفي إيقاع الأحداث يبدو القارئ كأنه يشاهد فيلماً سينمائياً تتقاطع فيه الوقائع وتتصل لتؤلف في ما بينها حياة كاملة من المرارات والبشاعات.

الروائية تلقي الضوء على آثار العنف والحرب والاستبداد على المرأة

فصول الرواية بين باريس وبيروت ودمشق وإسطنبول وماردين
back to top