«جريمة في رام الله» لعبّاد يحيى، رواية لا يمكن الإجابة بسهولة عن السؤالين كيف ومتى بدأت أحداثها؟ ولكن جريمة قتل شابة حدثت في نهايات عام 2012 في مدينة رام الله غدت بؤرة كل شيء. على وقعها أدرك كل من رؤوف، ونور، ووسام، أنها ستكون أهم حدث في حياتهم، وستدمغ ما قبلها وما بعدها. عباد يحيى الذي يعيش في رام الله وتعيش فيه، أصدر سابقاً رواية حمل عنوانها أيضاً اسم رام الله هي «رام الله الشقراء» عن دار «الفيل»، وفيها يبدو المؤلف محللاً وساخراً ومواجهاً الاستعمار بقلمه، فيتطرق إلى اتفاق «أوسلو» وما حمله معه، وإلى التمويل الأجنبي والاحتلال الاسرائيلي، والعلاقة بين الشرق والغرب، ولا ينسى محمود درويش، والمناضل جورج حبش... ذلك كله في إطار سرد جاذب. كذلك في «هاتف عمومي» جسّدت الشخصيتان الرئيستان فيها كل ما هو ظاهر في هذه المدينة وكل ما هو مستور.
في «جريمة في رام الله، ثلاثة شباب من جيل ما بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية، يعيشون مختارين في حيوات متوازية مع كل ما حولهم من مجتمع وسياسية وقضايا كبرى، وحين يحدث التقاطع الوحيد في إثر جريمة القتل تبدأ نسخة أخرى مختلفة من حياتهم تتتبعها الرواية بين ماضٍ وحاضر ومستقبل تذوب الحدود بينها.«صارت الجريمة حديث الجميع، ولكل تحليله، انشغل الناس عن كل شيء بالجريمة، وصار الكل محققين ومصادر مطلعة»، يذكر المؤلف في روايته. كان يمكن وضع عنوان كبير على مدخل المدينة يقول إن المدينة مشغولة، مشغولة بالجريمة.يتابع: «وفي أطراف المشهد يحلم صحافيون شباب ومبتدئون بخبطتهم الصحافية الكبرى، يحلمون بسبق صحافي في بلد لا جديد فيه. وهؤلاء أنهكوا الشرطة والناس والمحيطين بلوتس وجميع من يبدو وكأنه قريب من الحادثة بالأسئلة ومحاولات الاستمالة والاقتراب واختلاس أية معلومة.وكلٌّ يجذب الأمر لمساحته، من يحذر من القاتل الطليق ومن يلمّح لانتشار العصابات، ومن يغمز بضعف الشرطة وقدراتها، ومن يحذر من دور للاحتلال. وبلغ التهويل مبالغ غريبة، قيل إنها عصابة غامضة تقتل الجميلات، وقيل إنهم أهلها قتلوها انتصاراً لشرف أهدرته، وقيل إنها أحبت شاباً من غير دينها فقُتلت، وقيل إن عائلتها متورطة في قتل قديم وحان الثأر، وقيل إنهم متطرفون، وقيل إنها متورطة في سوء كبير أفضى بها إلى القتل. كان التأكد من زيف كثير من هذه الأحاديث والأخبار ممكناً، ولكن أحداً لم يكن يريد أن يتأكد».
أقوى أدب
اللافت أن الرواية صدرت في إطار مشروع تبدأه دار «المتوسط»، في سعيِها إلى تطويرِ إنتاجها، وتسهيل وصوله إلى القارئ الفلسطيني، وتأكيداً على شعارها الذي اتخذتهُ منهجاً لعملِها «معاً لنحارب طواحين الهواء»، أصدرت رواية «جريمة في رام الله» في طبعة فلسطينية إضافة إلى الطبعة العربية. المشروع الذي اتُّخذَ قرارُ البدء فيه منذ مدة، وانطلق أخيراً، يعطي فرصةً لكتبِ «المتوسط» أن تكون جزءاً من العمل المقاوم لسلطات الاحتلال، من خلال كسر التضييق الذي يُفرض على القارئ الفلسطيني، وعلى الكتب الراغبة بالحضور على الأراضي الفلسطينية، حيثُ ستصدر طبعة فلسطينية لعدد من كتبها تزامناً مع صدور طبعتها في العالم العربي. ولهذا المشروع اتخذت المتوسط شعار «الأدب أقوى»، وستتعاون في التوزيع مع الدار«الرقمية» في فلسطين.عن المؤلف
عبّاد يحيى: روائي فلسطيني، مقيم في رام الله. باحث في علم الاجتماع وصحافي، صدرت له روايات: «رام الله الشقراء» (2012)، و«القسم 14» (2014)، و«هاتف عمومي» (2015).