البديل لحل الدولتين!
في خطابه الأخير، حول القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، على نحوٍ كأنه جازم وقاطع، إن السياسات التي يتبعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجاه هذه القضية ترجّح احتمال أن "حل الدولتين" قد ينتهي، إن لم يكن انتهى فعلاً، وبالطبع فإن البديل سيكون، إن صحت هذه التكهنات والتقديرات، هو "حل الدولة الواحدة" أي دولة إسرائيل من البحر إلى النهر، وعلى كل أرض فلسطين التاريخية باستثناء قطاع غزة، عش الدبابير... الذي فكك الإسرائيليون مستوطناتهم فيه وغادروه هروباً لا يلوون على شيء. والمؤكد أن تكهنات وتقديرات وزير الخارجية الأميركي "الراحل" لم تراود بنيامين نتنياهو فقط، الذي يخضع الآن لتحقيقات بتهم الفساد، بل راودت معظم القادة الإسرائيليين السابقين واللاحقين، ربما باستثناء إسحق رابين، وأولهم ديفيد بن غوريون الذي كان يعتبر أن الحدود الإسرائيلية الآمنة تقتضي احتلال الضفة الغربية كلها حتى نهر الأردن، وهذا ما حصل، كما هو معروف، في عام 1967، حيث تذرعت إسرائيل كذباً بأنّ ما قامت به هو دفاعٌ عن النفس ضد العرب، مصر والأردن وسورية، وضد ثورة الكفاح المسلح التي كانت حركة "فتح" الفلسطينية قد بدأتها بعملية "عيلبون" الشهيرة في الفاتح من عام 1965.
إن ما لم يتطرق إليه ويتوقف عنده جون كيري، ربما قصداً، هو: ما الذي سيترتب يا ترى على "شطب" حلّ الدولتين؟! ومع الأخذ بعين الاعتبار أن الواضح مما يفكر فيه نتنياهو، الذي اقترب سيف قطع دابر الفساد من عنقه، ومن سيخلفه، هو أن البديل "الضم"، أي ضم الضفة الغربية بكل ما فيها إلى إسرائيل، مما يعني أنّ عدد الفلسطينيين العرب في هذه الدولة التي ستقوم ما بين البحر (البحر الأبيض المتوسط)، والنهر (أي نهر الأردن)، سيقترب من عدد الإسرائيليين، هذا إنْ لم يتجاوزه، مما سيجعل الدولة المشتركة الجديدة ثنائية القومية بكل ما يترتب على قيام مثل هذه الدولة. وهنا فما يجب أن يفهمه ويدركه بنيامين نتنياهو، وكل من هُم على شاكلته من المصابين بعدم وضوح الرؤية المستقبلية، أنه في ضوء عدم قدرة أي حكومة إسرائيلية، مهما كانت متطرفة وصهيونية، على إلقاء الفلسطينيين وراء نهر الأردن نحو الشرق ووراء بحيرة طبريا في اتجاه هضبة الجولان، فإن اليهود مع الوقت سيتحولون إلى أقلية مهيضة الجناح، حتى وإن تم تسليح كل واحد منهم بصاروخ عابر للقارات وبقنبلة هيدروجينية أو نووية! لقد كان الخطأ الفادح، الذي ارتكبه العرب في عام 1948 تحت وطأة ضغط موازين القوى الدولية في تلك الفترة المتقدمة، التي لم يكن القرار فيها بالنسبة لهذا الأمر والأمور الكبرى الأخرى قراراً عربياً وللدول "الوطنية" حديثة التكوين، هو قبول عملية تفريغ فلسطين من معظم سكانها، وهذا لنْ يحصل الآن بالتأكيد بعدما قطع القرن الحادي والعشرون نحو عقدين من عمره، ولذلك على الإسرائيليين المصابين بعمى التطرف الصهيوني، وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو، أن يدركوا، قبل فوات الأوان، أن حلّ الدولتين يشكل إنقاذاً لهم أكثر كثيراً من إنقاذه للشعب الفلسطيني، ولذلك عليهم أن يتحلوا بالواقعية المطلوبة، وألا يضعوا مستقبلهم في أيدي المتطرفين الذين لا يرون أبعد من أرنبات أنوفهم!