في حلب، المدينة السورية المدمرة ومعقل المتمردين السابق، والتي نجحت قوات الحكومة السورية في استعادتها الآن، كان هناك بصيص من الأمل حتى حين كانت القنابل تتساقط، فوسط الأنقاض والخرائب، صَمَد التعلم، مع استعداد خمسة عشر شابا سورية لاختبارات الجامعة، لم يتمكنوا من السير إلى الحرم الجامعي، لأن الكثير من الجامعات في سورية تحولت إلى أنقاض وركام، ولكنهم برغم ذلك تمكنوا من الحصول على شهاداتهم، بفضل برنامج فريد من نوعه على شبكة الإنترنت أتاحته جامعة الشعب.

في كل أسبوع، يشارك الطلاب السوريون في دورات على الإنترنت جنبا إلى جنب مع تلاميذ ومعلمين من مختلف أنحاء العالم، ومن خلال فصول الدراسة الافتراضية هذه، تمكنوا من متابعة الشهادة التي اختاروها في إدارة الأعمال، أو علوم الحاسب الآلي، أو العلوم الصحية. وهذه الدورات جيدة الإعداد حتى أن العديد من هؤلاء الطلاب المحفزين بدرجة كبيرة سيُدعَون للالتحاق بجامعات غربية في وقت لاحق من دراستهم.

Ad

كان برنامج جامعة الشعب مشروعا سريع النجاح، فاليوم يبلغ عدد المسجلين فيه 500 طالب سوري- نصفهم ما زالوا محاصرين في بلدهم الذي مزقته الحرب، والنصف الآخر من اللاجئين- إضافة إلى 6000 آخرين من الطلبة من نحو 200 دولة. أنشئ نموذج جامعة الشعب المبدع على يد المطور الرائد في مجال التعليم شاي رشيف، والذي سانده بعض من أبرز الأكاديميين في العالم.

تمتد فوائد هذا النموذج إلى ما هو أبعد كثيرا من كل ما هو قابل للقياس كميا مثل عدد المقيدين أو أرقام المتقدمين لامتحانات القبول، إذ توفر جامعة الشعب سلعة لا تقدر بثمن: الأمل في المستقبل، وسبل الاستعداد له، وهذا ليس بالشيء الذي يمكن إسقاطه من الطائرات أو تسليمه عن طريق قافلة إنسانية. التعليم من حقوق الإنسان الأساسية، وفي المناطق التي تعصف بها الفوضى، يغذي حِسا بالحياة الطبيعية لمصلحة كثيرين لا قِلة فقط من الناس.

في غضون شهرين، في الأول من مارس، سيحصل الطلاب النازحون واللاجئون على المزيد من المساعدة، مع إطلاق برنامج استجابة التعليم في حالات الطوارئ، وهو يمثل خدمة جديدة على الإنترنت تعمل على الربط بين الطلاب الجاهزين للالتحاق بالكليات وبين مؤسسات التعليم العالي وفرص الرعاية في مختلف أنحاء العالم. وسيتولى معهد التعليم الدولي إدارة برنامج استجابة التعليم في حالات الطوارئ، الذي يمول جزئيا بواسطة الجمعية الخيرية التعليمية التي أسسها رئيس جامعة نيويورك السابق جون سيكستون بعنوان كاتاليست.

مع هذه الخدمة الجديدة، يستطيع الطلاب اللاجئون نشر سيرهم الذاتية على الإنترنت لكي تطلع عليها مكاتب القبول في الجامعات، وبوسع الجامعات ذاتها أن تضع قوائم بكل عروضها وشروطها الأكاديمية والثقافية، وهذا من شأنه أن يساعد في التوفيق بين الطلاب المناسبين والمدارس المناسبة، وسيوفر معهد التعليم الدولي أيضا خدمة الإرشاد والمشورة- على الإنترنت وبدون الاتصال بالإنترنت- للطلاب الباحثين عن الفرص للدراسة في الخارج.

نحن نعلم بالفعل أن اللاجئين يقضون في المتوسط عشر سنوات على الأقل بعيدا عن أوطانهم، وإذا حُرِموا من التعليم خلال تلك الفترة، فستكون فرصهم في الحصول على عمل في المستقبل ضئيلة. كان عدم توفير التعليم للنازحين أحد أكبر إخفاقات نظام المساعدات الإنسانية، فقد ركزنا فقط على الأمد القريب- الأسابيع القليلة الأولى من نزوح الناس، عندما تكون الأولوية لتوفير الغذاء والمأوى- وليس الصورة الكبيرة، ولكن بفضل القيادة الملهمة التي أظهرها مفوض الأمم المتحدة الأعلى لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس- الذي تولى منصب الأمين العام التاسع للأمم المتحدة- والمفوض الحالي فيليبو جراندي، تعمل وكالة الأمم المتحدة للاجئين الآن على جعل التعليم أولوية قصوى.

ذات يوم، كانت سورية تتباهى بأعلى الجامعات جودة في المنطقة؛ والآن يعجز نصف مليون طالب عن الالتحاق بالجامعة بسبب الحرب الأهلية، ولكن مع الدعم من مؤسسات الحوكمة العالمية والبرامج التي تديرها منظمات غير حكومية مثل جامعة الشعب والمعهد الدولي للتعليم بات بوسع هؤلاء الشباب النازحين الآن الوصول إلى شريان الحياة المتمثل بالتعليم.

وقد احتمى كثيرون منهم من القنابل في حلب، التي تم إخلاؤها للتو، ولكن هذا لا يعني أنهم آمنون، وسواء انتهت بهم الحال إلى محافظة إدلب أو أي مكان آخر، فستظل حياتهم مهددة من جراء قنابل الحكومة السورية، ومع استمرار هذا الكابوس، يتعين علينا أن نزودهم على الأقل بما يحتاجون إليه من التعليم والتدريب في المستقبل.

عندما يأتي اليوم الذي يستطيع فيه السوريون أن يشرعوا أخيرا في إعادة بناء بلادهم، فسيحتاجون إلى أشخاص مؤهلين، ولهذا السبب يبادر محبو الخير في الإمارات العربية المتحدة ومختلف أنحاء الشرق الأوسط إلى دعم المبادرات التعليمية التي لا تقدر بثمن الموصوفة هنا، فضلا عن إنشاء صناديق للمنح الدراسية لتوفير المزيد من المساعدة من داخل المنطقة.

عندما التقيت مؤخرا في بيروت لاجئا يبلغ من العمر أربعة عشر عاما يتوق إلى الذهاب إلى المدرسة، سألته ماذا يريد أن يفعل عندما يكبر، فأجابني بأنه يريد أن يكون مهندسا، وهي ليست مهنة تحظى بشعبية كبيرة بين شباب اليوم، ولهذا سألته لماذا، فأجابني: "أريد أن أعيد بناء سورية"، وبمساعدة مبادرات مثل جامعة الشعب وبرنامج استجابة التعليم في حالات الطوارئ، سيتمكن الآلاف من الشباب السوريين ذات يوم من الاضطلاع بدورهم في إعادة بناء بلادهم أيضا.

غوردون براون*

* رئيس الوزراء ووزير الخزانة الأسبق في المملكة المتحدة، ومبعوث الأمم المتحدة الخاص لشؤون التعليم العالمي، ورئيس اللجنة الدولية لتمويل فرصة التعليم العالمي.

«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»