اختار وزير الخارجية الأميركي جون كيري ختام مسيرته الطويلة في المجال العام بخطاب وداعي خصصه للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، فشكّل هذا الخطاب، الذي جاء قبل ثلاثة أسابيع من موعد تنحيه عن منصبه، إقراراً من دبلوماسي أميركي بارز بأنه أخفق، على غرار كثيرين قبله، في تقديم أي مساهمة حقيقية في إنهاء هذا الصراع العنيد.ركّز هذا الخطاب على تحليل سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي وصفها كيري بـ«اليمينية الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل مع أجندة تحفزها العناصر الأكثر تشدداً»، كذلك شكك كيري في رغبة هذه الحكومة في عقد السلام مع الفلسطينيين نظراً إلى توسع المستوطنات اليهودية بلا هوادة في الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967. نتيجة لذلك، انتقده الرئيس المنتخب ترامب وعدد كبير من داعمي إسرائيل في الولايات المتحدة وخارجها، لكن اللافت للنظر أن متحدثاً باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ذكر أن من غير الملائم أن ينتقد كيري تركيبة الحكومة الإسرائيلية السياسية.
أما حكومة بنيامين نتنياهو، فاعتبرت هذا الخطاب عملا خيانيا لا يُغتفر من إدارة أوباما، صحيح أن هذا الخطاب بدا منسجماً مع السياسة التي لطالما اتبعتها الولايات المتحدة والتي تعتبر المستوطنات غير شرعية وعقبة في سبيل السلام، إلا أن التقارير أشارت إلى أن «مصدراً بارزاً» في مكتب نتنياهو، وربما نتنياهو نفسه، ندد بأوباما وكيري «لوقوفهما وراء هذه الخطوة المخزية ضد إسرائيل» و«التخطيط لها سراً» مع الفلسطينيين. في المقابل أعربت القيادة الفلسطينية عن الرضا والحذر في آن واحد، فأعلن الرئيس محمود عباس: «يسرنا هذا القرار، إلا أن ذلك لا يعني أن القضية الفلسطينية حُلت». يواصل نتنياهو تأكيده أنه يؤيد حل إقامة دولتَين، ويلقي اللوم على القيادة الفلسطينية لرفضها التفاوض مع إسرائيل من دون تحديدها شروطاً مسبقة. رغم ذلك يعارض عدد كبير من وزراء حكومته وأعضاء حزبه الليكود إقامة دولة فلسطينية، ويريدون بدلاً من ذلك ضم أجزاء من الضفة الغربية حيث تقع معظم المستوطنات، لكن إحجامهم عن ذلك يعود في جزء منه إلى القلق من أن تؤدي هذه الخطوة إلى انقلاب الرأي العام الدولي ضد الدولة اليهودية والتسبب في شرخ بينها وبين حلفائها الدبلوماسيين والعسكريين الأبرز، وخصوصاً الولايات المتحدة، إلا أن توقع أن تختلف الظروف في عهد ترامب يقود راهناً إلى خطط بناء جديدة في القدس الشرقية والضفة الغربية، فضلاً عن مشروع قانون جديد سيشرّع وضع مستوطنات بُنيت على أراض خاصة يملكها فلسطينيون، علماً أن هذه الخطوة تخالف القانون الإسرائيلي.صحيح أن خطاب كيري لم يحمل ثقلاً دبلوماسياً كبيراً، إلا أنه أثار أسئلة مهمة كثيرة عن مستقبل إسرائيل والفلسطينيين على حد سواء ستبقى بعد رحيله، فيما تستعد إسرائيل لتُتمّ نصف قرن من السيطرة العسكرية على الأراضي المحتلة بعد أشهر، هل تتمكن من اعتبار نفسها ديمقراطية بحق إن لم تعرب عن أي ميل لمنح ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية دولةً أو على الأقل حقوقاً ديمقراطية ومدنية كاملة داخل إسرائيل؟ وهل يستطيع العالم الخارجي الحفاظ على نظرته الدبلوماسية التقليدية إلى حل إقامة دولتَين مع حكومة إسرائيلية تنوي توسيع المستوطنات؟يعتبر كثيرون أن إقامة دولة فلسطينية إلى جانب الدولة الإسرائيلية الحل الأفضل لإرساء سلام دائم بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن مع كل يوم يمر على الحكم العسكري، ومع كل خطوة تُتخذ لتوسيع المستوطنات، يُقفل الباب تدريجياً أمام صفقة مماثلة.
مقالات
تلاشي الأمل في السلام وإقامة دولة فلسطينية
05-01-2017