تتحدث معظم الوثائق وكذلك المؤرخون عن دور أنظمة الحكم والحكومات العربية في تعزيز وإحياء المنظمات السياسية الدينية، منذ أن بدأ الرئيس أنور السادات في بداية 1972 إحياء تلك الجماعات في جامعة القاهرة، لضرب القوى اليسارية المناهضة له، بعد أن كان سلفه جمال عبدالناصر قد وجه إلى تلك الجماعات ضربة قاصمة بعد أحداث المنشية الشهيرة، واتبعت نفسَ تكتيك السادات عدة دول أخرى مثل الأردن والكويت، وبعد ذلك الاستخبارات الأميركية والبريطانية في أفغانستان، إلى أن وصلنا إلى النتائج الوخيمة التي يجنيها المسلمون اليوم من قتل وتمييز بسبب تلك الجماعات.

حكومة الكويت متمرسة في عقد التحالفات مع القوى السياسية الدينية منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، لأهداف يعلمها الجميع، ولا داعي لتكرارها، لذا عندما وقف وزير الداخلية الشيخ خالد الجراح في مجلس الأمة ودعم إنشاء لجنة ما يسمى "مكافحة الظواهر السلبية"، رغم كل سلبياتها وسوابقها في التدخل في الحريات الشخصية، وتوتير السلم الاجتماعي لتعرضها للمعتقدات الدينية لطوائف وديانات أخرى، عندئذ تأكدتُ أن الحكومة عادت إلى عادتها القديمة بعقد التحالفات مع القوى الدينية السياسية، ولتذهب الوسطية والحريات ومكافحة التطرف إلى الجحيم، لأن الحفاظ على "الكرسي" والسلطة أهم من أي شيء آخر!

Ad

المشكلة أن "خلطة" الدين والسياسة منذ 30 عاماً ندفع أثماناً باهظة لها في العالمين العربي والإسلامي، فالسادات مات مقتولاً من نفس الجماعات التي رباها وتحالف معها، ومصر اليوم تدفع ثمن ذلك إرهاباً أسود، وسورية خسرت ثورتها للتخلص من حكم طائفي دكتاتوري بسبب "أسلمة" الثورة، والعراق النزعات الدينية تدمره، والنضال الثوري الفلسطيني انفضّ عنه معظم العالم بعد إضفاء صبغة دينية عليه بسبب حركة حماس، واعتبر العالم قضية الشعب الفلسطيني نزاعاً إسلامياً - يهودياً، ونحن في الكويت خسرنا كثيراً من تميزنا الثقافي والحضاري، وانتشرت لدينا النزعات الطائفية بسبب الخطاب الديني- السياسي في جميع مؤسسات الدولة ومرافقها.

الواقع أن بداية انطلاقة مجلس الأمة 2016، تشي ببداية تفاهم وصفقات وتحالفات بين الحكومة وتيارات الإسلام السياسي، كما أن هناك وزراء يحاولون حماية "كراسيهم" بمغازلة النواب الإسلاميين، ولكن ربما تكون مخرجات الانتخابات أحد الأسباب لسلوك الحكومة، في أجواء مليئة بالخطب الدينية والتوترات الطائفية، لاسيما أن المواطن العربي لم يستوعب حتى الآن حجم الكارثة التي يعيشها بسبب الخطاب الديني المتطرف، الذي قد يقوده إلى مواجهة العالم كله، بالطبع حكومة الكويت لم تحاول أن تقاوم هذا الوضع، أو تكون حتى محايدة، بل زايدت على مقدمي اقتراح تشكيل "الظواهر السلبية" وأخذت تروِّج له، وتضع له المبررات!، هذا النهج مكرر ومعروف من السلطة، ولكن يا ترى ما هي نتائجه المقبلة وأثمانه المكلفة التي سندفعها هذه المرة؟.