أشار تقرير قبل أيام إلى أن أنظمة صواريخ صينية مضادة للطائرات وجّهت أسلحتها إلى حاملة طائرات أميركية في بحر الصين الجنوبي. لا يُعتبر تركيز الرادار على سفينة تصرفاً أخلاقياً رفيعاً، بما أنه يعني أنك تستطيع، إن أردت، أن تُطلق عليها صاروخاً فجأة، وإذا شعر الهدف بالخطر فقد يُطلق النار أولاً ليقضي على الصواريخ، أذكر هذه الحادثة لأن الكلام كثُر أخيراً عن صراع محتمل في بحر الصين الجنوبي.ثمة سيناريوهان: في الأول، تغزو الصين تايوان، وفي الثاني تقرر الولايات المتحدة إقفال مخارج بحرَي الصين الجنوبي والشرقي لمنع الصين من استعمال الخطوط البحرية العالمية. قد يكون هدف الصين الاستراتيجي من سيطرتها على تايوان فتح هوة كبيرة في الأرخبيل الممتد من أوكيناوا إلى مضيق مالاكا، كذلك تؤمن السيطرة على تايوان وعدد من الجزر الصغيرة في الشمال والجنوب ممراً مهماً إلى المحيط الهادئ، وعلى القدر ذاته من الأهمية تؤدي هذه الخطوة إلى تشكيل منصة إطلاق على اليابسة لطائرات الصين وصواريخها، مما يزيد حدود المنطقة المتنازع عليها في المنطقة الشرقية من المحيط الهادئ نحو ألفَي كيلومتر، مقرباً بالتالي الصواريخ الجوالة الصينية (أو يجعلها ضمن المدى العملي) من غوام وقاعدة أندرسون الجوية، التي تُعتبر قاعدة جوية أميركية بالغة الأهمية.
سيؤدي غزو تايوان إلى حرب برمائية لا تملك فيها الصين أي خبرة، وتتطلب هذه الحرب تنسيقاً بالغ التعقيد بين القوات الجوية، والبرية، والبحرية، وخصوصاً في المسائل اللوجستية، وكما اكتشفت الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، تصطدم العمليات البرمائية دوماً بهذه المشكلة، فمهما كانت إمدادات السفن البرمائية وآليات الإنزال وفيرة، يعجز عدد القوات التي تُنفذ الإنزال في البداية عن إلحاق الهزيمة بالمدافعين.إذا قررت الصين مهاجمة تايوان فعليها أن تحمي قواتها البرمائية وعمليات المتابعة اللوجستية، ولا تستطيع تحقيق هذا الهدف إلا إذا حظيت بالتفوق الجوي، لكن هذا التفوق لن يكون ممكناً إلا إذا قضت على قوات العدو الجوية والبحرية بضربة مفاجئة. إذاً كي تنجح الصين في غزو تايوان من الضروري أن تبدأ الحرب بضربة قاضية توجهها إلى القوات البحرية التايوانية والأميركية في المنطقة، والأهم في هذه الضربة تدمير حاملات الطائرات الأميركية. ينبغي للصين في ضربتها الأولى أن تقضي على القواعد الجوية ومنصات إطلاق الصواريخ التايوانية، ومهاجمة مجموعتَي حاملات طائرات قتاليتَين أميركيتَين تشكلان خطراً مباشراً، واستهداف غوام ودييغو غارسيا، وهما جزيرتان في المحيط الهندي تتمركز فيهما راميات قنابل استراتيجية أميركية. لا تتوقع الصين أن تقضي هذه الضربة على العدو بالكامل، إلا أن الولايات المتحدة تتوقع تعرضها لخسائر كبيرة، لكن السؤال المهم الذي ينشأ هنا: هل تضعف القوات الأميركية مؤقتاً بما فيه الكفاية كي تنجح الدفاعات الجوية الصينية في حماية مرافئ الإنزال، والقوة الغازية، والرأس البحري؟لنفترض أن هجوماً مشِلاً على كل الأهداف حدّ من قدرات الولايات المتحدة بنحو 80%، علماً أن هذا الاحتمال الأقصى، ولا شك أن الولايات المتحدة ستسارع إلى إرسال التعزيزات إلى المنطقة، مصلحةً المطارات وموجِّهةً كل مجموعات حاملات الطائرات القتالية المتوافرة لتتمركز في تلك المنطقة بسرعة فائقة.تكمن المشكلة التي تواجهها الصين إذا قررت غزو تايوان في ضرورة أن تسير مسائل كثيرة بالشكل الصحيح، فيجب أولاً أن تبقي الصين نواياها سراً رغم عمليات تعزيز القوات الطويلة في مرافئ عدة، كذلك عليها أن تضرب عدداً من الأهداف الخاضعة لدفاعات قوية تشمل حاملات طائرات وصواريخ، وكل ذلك في وقت واحد ومن دون أن يُكتشف أمرها. فضلاً عن ذلك ينبغي أن تنفذ اعتداء برمائياً ضد قوة متفوقة وتحتفظ بسيطرتها على منطقة الإنزال حتى وصول التعزيزات، ويلزم أيضاً أن تسيطر على الخطوط البحرية عبر المضيق، مما يعرضها لهجمات الغواصات وربما ضربات جوية ونشر ألغام. أخيراً عليها أن تنهي العملية قبل أن تحشد الولايات المتحدة قوات كبيرة لهذه المعركة، وإن أخفق أي من هذه العناصر الاستراتيجية يفشل الغزو.من الواضح أن هذا ما هو إلا مخطط أولي لمشاكل الحرب، إلا أن النقطة الاستراتيجية التي يبرزها جلية، يعجز الصينيون عن السيطرة على تايوان من دون تكرار سيناريو شبيه ببيرل هاربور إنما أكثر طموحاً بأضعاف العملية اليابانية عام 1941، كان لليابانيين أسباب عدة دفعتهم إلى المخاطرة بهجوم بيرل هاربور، وكان نفطهم قد بدأ ينضب وإمداداتهم تنفد نتيجة حصار الولايات المتحدة وتدخلها، فكان لا بد من التحرك، أما وضع الصين فمختلف؛ لذلك لا تُعتبر المخاطرة بعملية معقدة إلى هذا الحد خياراً منطقياً.جورج فريدمان*
مقالات - اضافات
لنفكر في حرب أميركية - صينية
06-01-2017