لتطمئن روحك بين يدي الخالق، فرحيلك المبكر عن دنيانا قد ألقى بظلال قاتمة من الحزن في نفوس وقلوب أهلك ومحبيك من صحبك ومعارفك الذين غصّت بهم المقبرة وبيوت العزاء، وأنت تغادر إلى دار الخلود، فحياتك الهادئة الوادعة المعجونة بالعطاء والجهد والمثابرة والنزاهة والنقاء، حوّلها فراقك ميتاً إلى كمدٍ صاخب، بحجم مكانتك لدى كل من اقترب منك في عمل أو مجلس أو مقعد دراسة أو سفر.

كنت أيها الراحل الكريم نموذجاً متفرداً قلّ نظيره في زمن العتمة الذي تصفعنا ملامحه كل يوم، فأنت من عمل بصمت وأحسن الأداء دون ضجيج، وعزيز النفس الذي لم يعرف التلوّن أو النفاق، والمثابر الذي سعت إليه المناصب والمسؤوليات ولم يَسعَ إليها.

Ad

"أبا مناف":

هنيئاً لكونك واحداً من الصفوة النزيهة في بلدك الذي أفنيت عمرك في حبّه وخدمته، ولم تمتد يدك إلى كسب مشبوه، ولم يزغ بصرك وأنت تقف على رأس مواقع ينسكب منها وحولها المال وفرص الثراء الفاحش، فكنت المثال والقدوة في الحصانة الأخلاقية ونزاهة الضمير، والثبات على الحق والاستقامة حين تقلبت كثيراً في المسؤوليات والمواقع المهمة وأديت أعمالك بالأمانة والصدق والصمت، ولم تلتفت للهاث المصالح والمنافع الملوّثة في أزمنة وأمكنة كانت تمكنك من تجاوز غيرك من الصغار المتجردين من الروادع الأخلاقية الذين ارتادوا الأنفاق الخلفية، وسجلوا أسماءهم زوراً في قوائم كبار الأثرياء، وأخذوا ما اتخذ، بالحق والباطل، وشعارهم "من صادها عشّى عياله".

أما أنت، فلأنك كنت كبيراً طوال حياتك، لم تنشغل إلا بمصلحة الوطن ونزاهة وكفاءة الأداء، وتسامَيت بأخلاقك فوق كل الشبهات، سواء كمدير لسوق الأوراق المالية أو وزيراً للتجارة أو رئيساً لشركات عديدة، وغدوت قدوة لمن جاء بعدك، وكنت شاهداً على وحشة دروب الأمانة وأنت ترتادها، وذلك لقلة سالكيها كما جاء في الأثر.

لم نعرفك إلا وجهاً باسماً، ونفساً عزيزة كريمة، وصاحب خلق رفيع أخجل من تعامل معك تواضعاً وبساطة وطيب معشر، كما أننا عهدناك في خواتيم حياتك كمِثل "أيوب"، جَلداً صبوراً على أمراضك العضال التي لم تتوقف عن مداهمة جسدك العليل المثخن بالجراح، لتخرج من كل معركة مع أحدها بصلابة الفرسان لتعاود حياتك من جديد بأمل وعزيمة حيَّرت الضعفاء من المستسلمين لليأس الذي لم يعرف طريقاً إلى نفسك وإرادتك الصلبة، بالرغم من ثقل أسقامك، وكنت حامداً لله بجميع الأحوال.

أخانا الراحل "هشام سليمان العتيبي":

ستبقى مقاعدك في ديوانيات ومجالس أهلك وزملائك وربعك ومحبيك شاغرة، وسيصعب أن يملأها سواك، مثلما ستبقى راسخة في قلوبهم مكانتك وذكراك وترددات ضحكتك المميزة وبشاشتك الممهورة باسمك والمفعمة بحب الحياة.

طوبى لك اليوم وأنت بين يدي العزيز المقتدر، مرتحلاً عن الدنيا بنقاء الصفحات والسجل الخالي من أذى الغير والمثقل بكبير الإنجازات، ورجعت نفسك المطمئنة إلى ربها راضية مَرْضيّة، وستدخل بإذن الله في عباده وستدخل جنته.

أخيراً، ومن صدر الوجع، نعزي رفيقة دربك الفاضلة، وأبناءك وأهلك ومحبيك، ونسأل الله لهم ولنا الصبر والسلوان.

ونقول "أبا مناف وداعاً"... وإناّ لفراقك لمحزونون.