للمرة الأولى... النجف وطهران تحرجان الحكيم في آن واحد
مشروع تصالح مع السُّنة يزيد سخونة الصراع الانتخابي المبكر
لم يسبق لرئيس المجلس الأعلى العراقي، عمار الحكيم، الذي يتزعم، ولو شكلياً، كتلة التحالف الوطني الشيعي، أن جرب العزلة السياسية كما يجربها هذه الأيام، فقد جرت العادة أن يواجه معارضة من طرف بينما تقف إلى جانبه معظم الأطراف الأخرى، أما اليوم فإنه يتعرض لحملة انتقادات من كل حدب وصوب، ويجتمع ضده خصوم من مختلف الجهات، لطرحه مشروع حوار مع القوى السنية تحت مبدأ «لا غالب ولا مغلوب»، الأمر الذي يخشى أن يترك آثاراً صعبة على تحضيرات الاقتراع النيابي، التي أعدت العام الماضي، وفق ما بدأ يرشح من تسريبات في أول أسبوع من العام الجديد.وأمضى الحكيم الأسابيع الأخيرة يبشر بورقة «التسوية الوطنية» التي جهد فيها لترضي الأطراف الشيعية المتشددة، إلى درجة أنها لم تتضمن تنازلات مهمة للقوى السنية بشأن مستقبل الإدارة السياسية والأمنية، لكن طهران ومتشددي الشيعة بدأوا بشن حملة منسقة ضد الحكيم، تتهمه بأنه سيتحاور مع «البعث» وأنصار «داعش»!وسبق للحكيم أن زار طهران والتقى المرشد خامنئي، وقيل إنه حصل على وعد بالمساعدة في إنجاح هذا الحوار، لكن الدعاية الإيرانية انقلبت بمجرد وصول رئيس الوزراء السابق نوري المالكي إلى طهران، في زيارة قيل إنه أطلع خلالها المرشد على تصوراته بشأن الانتخابات المقبلة.
أما الأكثر غرابة من موقف طهران فهو امتعاض «النجف»، حيث رفض المرجع الأعلى علي السيستاني استقباله بنحو أثار ارتباكاً لدى المعلقين، حيث بدا رجل الدين البارز عبر تصريحات لاحقة من مقربين منه، غير مرتاح لورقة التسوية، بينما يمثل هو أكثر الأطراف الداعية إلى التصالح مع السُّنة خصوصاً.وتلا ذلك موقف زعيم التيار الصدري ورئيس الوزراء حيدر العبادي اللذين راحا يعترضان إلى حد التهكم أحياناً، على خطوة عمار الحكيم، الذي ظن طوال الوقت أن السيستاني والعبادي والصدر مؤيدون محسومون لخطوته. وتشعر «النجف» بأن إيران قادرة على تشويه كل من يتورط في هذه الورقة الآن أمام الأوساط الشعبية الخاضعة للشائعات والدعايات، كما تفيد مصادر مقربة من المرجعية، لذلك فهي لا تعترض على جوهر المشروع بقدر قلقها من توقيته، أما العبادي والصدر فيبدو أنهما لا يشعران بالارتياح لمشهد سيظهر فيه عمار الحكيم كقائد للشيعة يبرم اتفاقاً تاريخياً مع السُّنة، ويخطف منهما الأضواء في المحافل الإقليمية والدولية.وخفتت أصوات المجلس الأعلى إلى حد كبير، ولم تعد هناك حملات لترويج أوراق التصالح، ويقول بعض القياديين فيه إنهم «مصابون بالدهشة»، لأن جميع الأطراف الموصوفة بالاعتدال كانت مع حوار داخلي يسبق تحرير الموصل آخر معقل لـ«داعش» في العراق، لكن معظم هؤلاء انقلبوا بمجرد أن طرح الحكيم مبادرته.لكن قادة شيعة آخرين يقولون إن الحكيم تسرع «لأغراض تخص التنافس الانتخابي»، وكان عليه أن يتأنى أكثر في إعلان الورقة ريثما تنضج مشاورات يقوم بها الوسطاء مع القادة الشيعة بشكل خاص، وحتى لا يبدو كأنه يطرح مبادرة كبيرة، ويطلب من الآخرين اللحاق به، الأمر الذي لا يمكن قبوله قبيل احتدام المعارك الانتخابية الساخنة.أما أخطر تداعيات هذا، فهو أن يتواصل الانقسام ويتعمق بين العبادي والصدر والحكيم، لأن المستفيد الأساسي من ذلك هو طهران وحلفاؤها في الفصائل المسلحة الذين يحلمون بالعمل مع المالكي لاكتساح البرلمان وإجراء تعديلات في قواعد اللعبة تأتي على ما تبقى من التوافقات مع القوى الكردية والسنية.