العنوان هو "نوفيلا" للكاتب النمساوي ستيفان زفايغ، كما رأت ترجمتها إلى العربية سحر ستّالة. وكذلك فعل مترجموها إلى الإنكليزية، الذين ترجموها إلى "اللعبة الملكية" مرة، و"الشطرنج" مرات أخرى. أما عنوانها الأصلي، فهو "نوفيلا الشطرنج".

"نوفيلا لاعب الشطرنج" لا تتجاوز الثمانين صفحة كتبها زفايغ من عام 1938 حتى 1941، وذلك قبل سنة من انتحاره وزوجته الثانية في مستعمرة ألمانية بالبرازيل، محتجا على كل ما يحدث حوله من ضياع الإنسانية وانهيار مبادئ الغرب.

Ad

تقديم روايات بهذا الضجيج الإنساني مهمة نبيلة وجهد يستحق الثناء من الزملاء في دار مسكيلياني، التي قدمت لنا من قبل رائعة كارلوس زافون "ظل الريح".

تبدو رواية "لاعب الشطرنج" عملا بسيطا في بدايته، ولا ينبئ عن تصاعد درامي يصل إلى ذروته هكذا صدفة حين يتدخل شخص مجهول في تحدي لعبة الشطرنج بين بطل عالمي ومجموعة من الهواة يلعبون جميعهم ضده. كان الدكتور "ب"، وهو لقبه الذي ذكرته المترجمة مرة واحدة، ثم استبدلته بالسيد "ب"، فيما بقي اسمه الدكتور "ب" في الترجمة الإنكليزية، يبدو محترفا في الشطرنج، رغم إنكاره للعب، لكنه أنقذ الهواة من الهزيمة أمام بطل العالم وخرج بهم متعادلين.

يبحث الراوي عن سر الدكتور "ب"، ويكتشف حكايته التي هي العمود الفقري للنوفيلا وحكايتها الحقيقية. فالدكتور "ب" كان سجينا في غرفة بفندق، ولم يكن معه سوى قطع الأثاث والعزلة القاسية تتخللها لحظات التحقيق من الغستابو، على أمل العثور على معلومات عن أملاك موكليه.

أثناء عزلته التي حرم فيها من الكتاب والورقة والقلم ينجح في سرقة كتاب، ويعيش فرحة مذهلة بأنه أخيرا سيقرأ شيئا يفكر فيه ويعيش معه كصديق يقاسمه هذه الوحدة. لكن الكتاب كان شرحا للعبة الشطرنج وأساليب مجموعة من المباريات درسها الدكتور "ب"، فأتقنها حتى ملأت عليه عزلته.

ما حدث لاحقا كان تطور اللعبة، لينقسم هو ذاته إلى شخصين منفصلين يلعبان ضد بعضهما. كانت تلك اللحظة الأقسى في الرواية والأكثر صعوبة على الإدراك العادي. كيف يمكن له أن يتحول إلى شخصين متناقضين، أحدهما يحرك القطع البيضاء، والآخر يحرك القطع السوداء؟ أن يتواجه عقلان مختلفان في اللعبة هو الأمر الطبيعي، أما أن ينفصل العقل الواحد إلى عقلين مختلفين، فليس بمقدور أي كائن أن يفعل ذلك بإتقان.

في هذه الفقرة القادمة فكرة النوفيلا كاملة، وسأتركها للقارئ ليفكر بها: "كيف للعقل ذاته أن يعلم شيئا ويجهله في آن واحد؟ كيف يمكن له وهو يلعب بالقطع البيضاء بكامل إرادته أن ينسى تماما ما غايته ومخططاته من تحريك إحدى القطع السوداء قبل دقيقة واحدة؟ إن مثل هذه الازدواجية في التفكير تفرض ازدواجية كاملة في الوعي، وتقتضي القدرة على عزل بعض وظائف العقل عن بعض بإرادة كاملة. إن الرغبة في لعب الشطرنج ضد نفسك أشد تناقضا من الرغبة في القفز فوق ظلك".

كان ذلك الخصام الداخلي الذي عاشه الدكتور "ب" هو ما قاده إلى الجنون، والجنون الذي قاده إلى الحرية، لكن الصراع الداخلي الذي عاشه لم يتمكن من التخلص منه، فهو العقل الذي هزم بطل العالم في جولة، وهو ذات العقل الذي هزم أمامه يحركة عصبية وسخيفة، كأنما مازال يعيش حمّى الانفصال بين عقلين في زنزاته.