ليس هناك مجتمع أو جماعة إنسانية إلا وتشدد، جهارا ونهارا، على المكانة المركزية التي تحتلها الأخلاق في منظومتها الحياتية، وهذه تندرج دون تردد في البدهيات التي تحظى باتفاق البشر قاطبة، ذاك أن الأخلاق، بداية، تصوغ الطريقة التي نعيش فيها داخل بيئتنا الاجتماعية، ووفقا لها ترسم الخطوط الفاصلة بين ما يستقر على أنه سلوك مقبول أو غير مقبول وما يستحق الإعجاب أو الذم في مسلكيات المرء وتصرفاته. والأخلاق إنما تستمد أهميتها من كونها المصدر الذي نحكم من خلاله على الأمور بأنها تسير بشكل حسن أو على نحو مريع، فضلا عن أن لها الكلمة العليا في تقرير فكرة الحقوق والواجبات في علاقات المرء المتشابكة مع الآخرين.

وأبعد غوراً مما سبق، تصنع الأخلاق استجابتنا العاطفية تجاه الأحداث التي تقع في العالم المحيط بنا، وبالمعنى التقني فإنها المهندس الأكبر لبرمجتنا الوجدانية، بحيث على سبيل الإحاطة، تحدد لنا مثيرات الفخر والخزي، أو الرضا والغضب، ومن قلبها ينبثق الحكم القيمي حول ما يجوز لنا أن نغفره أو لا نتسامح معه.

Ad

قد ننسى، أو يحرص البعض على جعلنا نتناسى، أن الأخلاق تقدم للسلوك المعايير التي ينضبط إيقاعه وفقا لها، وتأسيسا على ذلك تغدو الأخلاق في معناها العريض تجسيداً لحرية الفرد، أي الطريقة التي يعي فيها نفسه ويقف من خلالها إزاء الآخرين.

وفي هذا المقام ينظر المرء بإعجاب إلى القرار الذي أصدره مجلس أبوظبي للتعليم بإدراج مادة "التربية الأخلاقية" كمقرر دراسي لطلبة التعليم العام بداية الفصل الدراسي الثاني كي تتواكب مع إعلان قيادة الدولة الرشيدة عام 2017، وحسب القرار فإن المادة الدراسية ستهتم أساسا بترسيخ الخصائص الأخلاقية والقيم بين طلبة المدارس وتعزيز التسامح والاحترام والمشاركة المجتمعية وتنمية روح المبادرة والتفاعل الإيجابي، وهذه جميعها تصب في جوهر الأخلاق. وللحق فإن هذه المبادرة على قدر كبير من الأهمية، وتربطنا من عدة وجوه وشائج متينة بها، فهناك الكثير من الشواهد تصعقنا يوميا وتشد انتباهنا إلى أننا في قلب عاصفة أخلاقية جعلتنا نقترب من عبادة الفوضى، فالحوادث والمسلكيات في ساحات السياسة والرياضة والثقافة والترفيه متضافرة ومتشابكة مع أزمة أخلاقية، أو بالأحرى انحطاط أخلاقي من طراز كارثي لا يعدنا مع تراجع أدوار المؤسسات الأخلاقية كالمدرسة والأسرة إلا بإنتاج أفراد أكثر رعونة وبهيمية، يدفعوننا ضد إرادتنا إلى مجتمع أكثر تصدعاً.