لم تبدأ ولاية أوباما الفعلية عند إعادة انتخابه أو تسلمه بعد ذلك منصبه، بل في سبتمبر الأسود نحو منتصف الفترة الفاصلة بينهما.كانت المجزرة التي ذهب ضحيتها 20 ولداً في مدرسة ساندي هوك الابتدائية نحو أواخر عام 2012، وفق أحد مساعديه في المكتب الرئاسي في البيت الأبيض حين أُبلغ أوباما هذا الخبر، أسوأ لحظة في ولايتَيه كلتيهما. قال الرئيس أثناء تلقيه أخبار إطلاق النار في نيوتاون بكونيكتيكت: "تظن أن لهذا المنصب نفوذاً كبيراً، إلا أنه ليس كذلك".
حتى إنجازات الولاية الثانية التي حظيت بتأييد كبير جاءت أكثر ندرة وتباعداً، مقارنة بولايته الأولى، فشملت السنوات الأربع الأولى إنقاذ الاقتصاد من أعماق الركود وكبح لجام الكونغرس مع تمرير قانون الرعاية الصحية القليلة الكلفة، إلا أن النجاحات التي تلت حصلت عموماً خارج البلد ولم تكتمل: التقرب من كوبا، واتفاق التغير المناخي في باريس، وصفقة احتواء طموحات إيران النووية.اعتبر أوباما نفسه معارضة الجمهوريين المستمرة نوعاً من الإعتاق. أعلن: "شكّلت محوراً رافق عهدي بأكمله: معارضة النقاد الجمهوريين المتواصلة لكل أوجه القرارات التي اتخذتها، فإن قررت التدخل عسكرياً سمعت انتقادات مثل: (هذا تصرف ينم عن عدم مسؤولية) أو (لمَ يتصرف بهذه الطريقة؟). أما إذا قررت الإحجام عن ذلك، فاعتبروني ضعيفاً".بدت حالة الجمود أحياناً أسوأ مما هي عليه فعلاً، فخلال إحدى المواجهات في مسألة الموازنة الفدرالية، تجمّع الصحافيون أمام مبنى الكونغرس بعد منتصف الليل منتظرين تعطّل الحكومة، لكن رئيس مجلس النواب جون بونر كان قد عاد سراً إلى البيت الأبيض لإجراء محادثات خاصة، وطُلب من مسؤولي البيت الأبيض الردّ بالعبارة المبهمة المستهلكة المعتادة "ما من تصريحات من المقرر الإدلاء بها"، إن سُئلوا عما إذا كانا سيجتمعان لأن رئيس مجلس النواب طالب بالتكتم والسرية.لكن حالة الجمود الحزبي هذه تسببت أيضا بضرر كبير: فقد أساءت إلى سمعة الجمهوريين الوسطيين وإلى إرث رئيس لم يعرف معنى الراحة انتُخب بعد تعهده بأن يكون عامل تغيير يشفي جراحاً مماثلة.علاوة على ذلك، جعل هذا الوضع أوباما أكثر عرضة لوصول جمهوري أشد تصلباً إلى البيت الأبيض في الشهر الحالي. بعدما أُرغم أوباما على الاعتماد على قرارات تنفيذية ليكمل القليل الذي أُنجز في إصلاح السياسة المحلية ويرسّخ التقدم في مسألة التغير المناخي، بات الرئيس الرابع والأربعون ضعيفاً جداً أمام الرئيس الخامس والأربعين الذي تعهد بعكس الجزء الكبير مما حُقق بشخطة سريعة من قلمه.لكن ترامب قد يساهم في غفلة منه في تحسين سمعة سلفه، مقدماً أكبر تناقض بين شخصيتين قد نتخيله، فيما يُظهر الرئيس المقبل مدى سرعة غضبه وانجراره، تبدو طريقة تفاعل أوباما مع الأزمات اليوم أكثر حرفية منها مترددة. كذلك بدأ أميركيون كثر يفتقدون هدوء أستاذ القانون المتزن الذي تحلى به أوباما، صحيح أن هذا الأخير لم يكن يوماً مقتضباً في كلامه، إلا أن إسهابه العميق يبدو اليوم ذا طابع "تشرشلي" إيجابي، مقارنة بخلفه أو حتى سلفه.على غرار جورج بوش الابن، سيتذكر الناس أوباما خصوصاً لملامح وجهه المعبِّرة جداً عند مواجهته فظائع هذا المنصب. مر بعض الوقت قبل أن نطلع على مجموعة الصور الكاملة التي تُظهر لحظات اطلاع الرئيس السابق على مجريات اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، لكن مصوّر البيت الأبيض بيت سوزا تولى توثيق عهد أوباما بوتيرة أكبر، مع أن حصر هذه المهمة به بدقة أثارت استياء الصحافيين المستقلين، إلا أننا حصلنا على الكثير من الصور التي لا تُنسى عن هذا العهد. على سبيل المثال تخلّد صورة سوزا التي يظهر فيها أوباما وهو يصغي إلى مستشاره لشؤون مكافحة الإرهاب جون برينان، الذي راح يخبره عن مجزرة نيوتاون، اللحظة التي أدرك فيها الرجل الأقوى في العالم حدود نفوذه الفعلي.دان روبرتس*
مقالات
ولاية أوباما الثانية... رئيس يواجه حدود سلطته
08-01-2017