"المعمار الإنساني... أولاً"، عنوان لكتاب صدر كإهداء من مجلة الفنون الكويتية، من تأليف د. م. سابا جورج شبر، ومن ترجمة الكاتب الشاعر الروائي محمد الأسعد.

الكتاب تجميع لعدد من المقالات والدراسات للمهندس المعماري ومخطط المدن الفلسطيني الفذ د. سابا جورج شبر، كان قد نشرها في الصحف اللبنانية والكويتية وخارج العالم العربي.

Ad

كتب مقدمة الكتاب أمير دولة الكويت الراحل الشيخ صباح السالم، وكان وقتها ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء.

الكتاب ليس مهماً فقط، بل في غاية الجمال، فالكاتب معماري عبقري له إحساس ونظرة عميقة بمفهوم وكيفية معمار المدن، بحيث لا تفقد هويتها العربية الإسلامية وتصحيح مسار اختطاط المدن، وتصحيح العلاقة بين الوظائف الجمالية والاجتماعية والاقتصادية للمبنى المعماري.

ما أدهشني الفكر الفلسفي للكاتب، ونظرته العميقة المتجلية بروح المكان جعلتني لأول مرة أشعر وأحس بمدينتي الكويت كما شعر وأحس بها، فهو يصف موقع الكويت كالتالي: "موقع الكويت الطبيعي على حافة ما يُشار إليه بوصفه خليج الكويت، موقع فريد، فالمرء هنا لا يكون على يقين من اتجاهات البوصلة أبدا، وكثيرا ما يخلط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب. تغيب الشمس في الغرب، ومع ذلك يكون البحر واجهتها، فيتحير الناظر زمناً قبل يتبين وجهتها الملائمة".

ويصف الإنسان الكويتي كما يلي: "إنسان عربي غير عادي، عربي أكثر شبها بالرجل الإنكليزي، طوّر سمات شخصية منعزلة ممتزجة بسلوكيات وأفعال متعددة الجوانب، هو مترحل صحراوي، وبحار وغواص في أعماق البحر وتاجر في وقت واحد معا. ولأنه كان عليه مقاومة قسوة كل من الصحراء والبحر، بالإضافة إلى قسوة المناخ، طور الكويتي نزعة الانضباط، وروح الانتماء إلى الجماعة".

ويصف معمار الكويت بأنه عضوي، ويشرح المعنى بهذه الجملة: "مخططو المدن يطلقون على أي مدينة تنمو نموا طبيعيا ومنطقيا لتلائم موطنها اسم المدينة العضوية".

الكاتب يتكلم عن الكويت في مرحلة الستينيات من القرن الماضي، حيث كانت الكويت القديمة "تشلع" من جذرها لتقام مدينة الكويت الحديثة.

توقفت عند جملة ذكرها عن مرحلة النمو المدهشة هذي: "الكويت بمنزلة شاب قوي جريء، فقد حققت تقدما مذهلا حتى بالحساب الكمي المحض. هذا الشاب الجريء يدخل الآن المرحلة التي يتوقع منه أن يأتي فيها بأشياء عظيمة. إنه يدخل مرحلة من تلك التي تبدأ فيها قضايا الفلسفة والفن والتعليم والروح تعني له الكثير، لأنه بحاجة إليها".

سؤاله مهم جدا، وأظن الكويت حققت نجاحا كبيرا بهذا المضمار، خاصة في هذه السنوات الأخيرة.

أعجبني أيضا وصفه وتحديده لنظام الكويت: "هي دولة رأسمالية إلى حد متطرف، وفي الوقت نفسه فإن من الصعب العثور على إجراءاتها الاشتراكية في أكثر الدول الاشتراكية تطرفاً. لا أظن أن هناك نظاماً في العالم العربي أو الخليجي أو الغربي يشبه النظام الكويتي".

وهذا مقتطف لوصفه للمدن العربية: "المدن العربية تشبه عينات نباتية وحيوانية يمكن تصنيفها بسهولة، ولكن من دون غرض عملي ومفيد. إن لها جوانب رفيعة المستوى وجوانب أخرى متدنية، وتخوض الجوانب الرفيعة حربا مريرة لتتغلب على الجوانب المتدنية".

تمنيت لو امتد به العمر حتى تكتمل رؤيته عن مدينة الكويت التي أحبها وعاش بها 10 سنوات ومات فيها، ماذا ستكون رؤيته عن كل تحولاتها وما مر بها من تغيرات لم يحسب حسابها؟

ما كتبه عنها في زمن الستينيات ينطبق الآن على التغيرات التي تجتاح قطر والإمارات، وخاصة دبي، فقد كتب عن الكويت حينذاك، أن "الكويت، على خلاف المدن العربية التقليدية، وبخاصة العواصم أو المدن الكبرى، انطلقت فجأة، انتشرت بكل اتجاه، ونمت نموا سريعا، لتصبح مدينة ثم عاصمة فدولة في أقل من عقد ونصف العقد من السنين. والكثير من ملامح وخصائص الكويت بالغ الفرادة. والحق أن التفرد ليس الكلمة الأقوى تعبيرا لوصف فرادة الكويت، وقد يأتي يوم يصبح فيه اسم الكويت مرادفا لكلمة الفرادة، فرادة في التمدن، وفي التحول، وفي الحكومة، وفي البنية الاجتماعية".

الجزء الثاني تكلم عن نظريات ابن خلدون بتخطيط ومعمار وعلم اجتماع المدينة، وبيَّن أن ابن خلدون العبقري هو أول من تناول جوانب بناء المدينة والعناصر المهمة لشروط بنائها، وحددها بدقة متناهية، أين تبنى، ومواقع البناء، وصحتها البيئية، وقدرتها على خدمة الناس وتسهيل أعمالهم وحياتهم.