بعد عملية بحث طويلة، أقنعت والدي بشراء سماعتين عاديتين، فكان التحوّل الذي طرأ على حالته مذهلاً. في اللقاء العائلي بعد شهر، رأيت أبي يجلس إلى طاولة الفطور ويبدأ بإمتاع الجميع بقصص طفولته المشاغبة. عاد مجدداً محور الاهتمام. كذلك تخلّص من مشيته غير المتزنة واستعاد خطواته القوية الواثقة.

خلع والدي صورة الرجل الهادئ المنطوي على ذاته ليعود الأب المرح الذي عهدته، والذي يهوى سرد القصص، والضحك، وممارسة الدعابات. صار بإمكانه سماع أولاده وأحفاده. وهكذا استعدتُ الوالد الذي أتذكره من طفولتي.

Ad

تهدف هذه القصة وكثير غيرها إلى زيادة الوعي العام حيال السمع، فهي تُظهر أن مَن يعانون خسارة في هذه الحاسة يستطيعون الانتقال من الخوف والإنكار إلى التقدم في السن بفرح، ومرونة، وسعادة، وصحة.

فوائد السمع الجيد الصحية

يجب أن نتحدث عما رأيته: التأثير العميق للسمع الجيد في حياة الإنسان. يجب أن نتوقف عند ما يكسبه الإنسان حين يتمتع بسمع جيد (التفاعل الاجتماعي، والروابط العائلية، والاجتماعية في مكان العمل) لا ما يخسره. لا تشكّل خسارة السمع إعاقة قائمة بحد ذاتها، بل ترتبط بكل ما نقوم به في يومنا.

لكن اللافت أن كثيرين منا ينتظرون سبع إلى عشر سنوات ليقروا بأنهم يعانون مشاكل في السمع ويستعينون بسماعة. لماذا؟ يعود السبب في بعض الحالات إلى الإنكار أو الخوف من أن نبدو مسنين. وفي حالات أخرى، تكون الخسارة تدريجية، حتى إننا لا نلاحظ تطورها الخطير. نتيجة لذلك، يفوق عدد مَن يخضعون لتنظير القولون مَن يجرون فحص سمع.

لكن الامتناع عن الخضوع لفحص سمع وتصحيح خسارة السمع باكراً يساهم في التقدم في السن بسرعة أكبر. ترتبط خسارة السمع بالإصابة المبكرة بالخرف وحتى الموت المبكر. كذلك يزداد احتمال التعرّض للسقوط بنحو ستة أضعاف مقارنةً بمن يتمتعون بسمع طبيعي. ولا شك في أن العزلة وفقدان القدرة على التواصل بفاعلية مع الآخرين نظراً إلى العجز عن سماعهم جيداً يفاقمان هذه العواقب الصحية السلبية. فنتيجة خسارة السمع، يعيش الإنسان وحيداً، وتعادل تأثيرات الوحدة السلبية في الصحة تدخين 15 سيجارة يومياً. علاوة على ذلك، عندما يخف السمع، تتراجع قدرة الدماغ على تمييز الأصوات، ما يعني أن على المريض {تعلّم من جديد} كيفية السمع عندما يستعين أخيراً بسماعة.

إجراء حوار

عوض التفكير في خسارة السمع، فكّر في ما تجنيه حين تسمع جيداً، لأن السمع الجيد يتيح لك عيش حياتك بالكامل. ترتكز الحياة على حفاظنا على إحدى قدراتنا الأساسية: البقاء على تواصل مع أفراد عائلتنا وأصدقائنا. كشفت دراسة أُجريت أخيراً أن خسارة السمع كان لها تأثير أكبر في حياة الأميركيين الذين بلغوا الخامسة والستين من العمر أو تخطوها، مقارنة بالأمراض القلبية، والسكتة الدماغية، وترقق العظم، وعرق النسا، والسرطان، وغيرها من أمراض شائعة.

شكّل التحوّل الذي طرأ على حالة أبي اكتشافاً منوِّراً بالنسبة إلى طبيبه وإليّ أنا ابنته. أدركتُ منذ ذلك الحين أن خسارة السمع، التي يمكن علاجها بسهولة، تُعتبر مشكلة مخفية إلى حد كبير، مع أنها تصيب كثيرين. يعاني واحد من كل ثلاثة تخطوا سن الستين واثنان من كل ثلاثة تخطوا السبعين خسارةً في سمع. وبين مَن ولدوا في مرحلة طفرة الولادات في القرن الماضي، يعاني 15 % خسارة مماثلة. كذلك أشار تقرير نُشر قبل بضع سنوات إلى أن 12 % إلى 15 % من الأولاد في السن الدراسية يعانون درجة معينة من خسارة السمع، مع ارتفاع هذه النسبة بين المراهقين.

لا تُعتبر هذه الأرقام مفاجئة نظراً إلى تعرضنا المستمر للأصوات العالية مع حفلات الروك، والملاعب الرياضية، ومكبرات الصوت في السيارة، وسماعات الأجهزة الإلكترونية، وازدحام السير، ومحركات الطائرات، وما شابه. نتيجة لذلك، لم تعد خسارة السمع علامة من علامات التقدم في السن، بل باتت واسعة الانتشار، وسيُضطر كثيرون منا إلى مواجهتها في وقت أقرب مما يتوقعون. لذا لا نبالغ إذا شددنا على أهمية حماية سمعنا، وتفادي خسارة السمع جراء التعرض لأصوات مرتفعة في بيئتنا، والخضوع باكراً لفحص سمع.

ولكن ما الأهم في رأي الناس عند التحدث عن خسارة السمع؟

أشار 61 % من أعضاء الجمعية الأميركية للمتقاعدين إلى أن خسارة السمع تصعّب على الإنسان متابعة المحادثات في محيط يعلو فيه الضجيج، في حين شدد 44 % على تأثير خسارة السمع السلبي في العلاقات مع الأصدقاء وأفراد العائلة. في المقابل، ذكر ثلثهم أنهم قد يخضعون لفحص سمع إن أساءت خسارة السمع إلى علاقتهم بعائلتهم، في حين ذكر 59 % أنهم سيجرون فحصاً مماثلاً إن تحولت هذه الخسارة إلى عبء على العائلة.

فكّر في قصة والدي. ما الأهم والأفضل: التحدث عن تأثيرات خسارة السمع السلبية أم المساعدة التي يقدمها تحسّن السمع لمن يعانون خسارة مماثلة في استعادة فرحهم ونشاطهم في الحياة؟

ربما ما زلت في مستهل الدرب في قصة خسارة السمع هذه. ولكن تذكّر أن المعاينة الطبية المبكرة، والفحص المبكر، والتدخل المبكر تساعدك في تفادي فقدان علاقاتك المهمة مع أصدقائك وأفراد عائلتك. وهكذا تواصل الاستمتاع بزقزقة العصافير خارج نافذتك.