أقر الرئيس باراك أوباما، أمس، بأنه "استهان" بما للقرصنة المعلوماتية والتضليل من تأثير في الدول الديمقراطية، إثر صدور تقرير أجهزة الاستخبارات حول تدخل روسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

ونفى في مقابلة مسجلة مسبقا مع برنامج "هذا الأسبوع" على شبكة "إيه بي سي"، التقليل من أهمية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تقول أجهزة الاستخبارات الأميركية إنه أمر بالقرصنة بهدف تقويض الحملة الرئاسية للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.

Ad

وأضاف: "لكنني أعتقد أنني قللت من درجة تأثير المعلومات الخاطئة والقرصنة الالكترونية في عصر المعلوماتية الجديد على مجتمعاتنا المفتوحة، والسماح لأنفسهم بالدس في ممارساتنا الديمقراطية بطريقة أعتقد انها تتسارع".

وأوضح أوباما انه أمر الأجهزة بوضع تقرير صدر الجمعة في شكل جزئي، وذلك "للتأكد من فهم أن هذا ما يقوم به بوتين منذ بعض الوقت في أوروبا، بداية في الدول التي كانت تابعة سابقا، حيث الكثير من الناطقين بالروسية، ولكن على نحو متزايد في الديمقراطيات الغربية".

واشار إلى الانتخابات المقبلة في دول أوروبية حليفة قائلا: "علينا أن نوليها اهتماما، وأن نكون حذرين إزاء تدخل محتمل".

على صعيد آخر، كان أوباما يعتقد أن الأمور ستكون مختلفة: ففي أعقاب ثماني سنوات في السلطة، يغادر البيت الأبيض بعد فترة انتقالية حادة على وقع التغريدات اللاذعة لدونالد ترامب الذي يستعد لمسح إنجازاته.

وحتى لو كان في استطاعته التباهي بنسبة شعبية عالية تضعه على قدم المساواة مع رونالد ريغان وبيل كلينتون لدى مغادرتهما البيت الأبيض، فإن الرئيس الديمقراطي الذي سيلقي غدا في شيكاغو، حيث بدأت مسيرته السياسية، خطابه الوداعي، يشعر بالمرارة.

وشكلت الأجواء الهادئة التي سادت اللقاء الأول في المكتب البيضاوي بين الرجلين اللذين تختلف مسيرتاهما ومزاجاهما اختلافا جذريا، مفاجأة، لكن هذا الهدوء يبدو الآن بعيد المنال.

وقد تبادل الرئيس الرابع والأربعون وترامب الذي سيصبح عما قريب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، الاتصالات الهاتفية منذ هذا اللقاء الأول، لكن ملامح التوتر تزداد وضوحا يوما بعد يوم.

وقال لاري ساباتو من جامعة فيرجينيا، إن "الهوة بين مواقفهما السياسية وشخصية كل منهما كبيرة جدا، بحيث يتعذر مرور هذه الفترة الانتقالية من دون صدامات".

وحول بعض الملفات، مثل إصلاح التأمين الطبي (أوباماكير) أو التصدي لارتفاع حرارة الأرض، يبدو الاتجاه واضحا: فخليفته الجمهوري سيسير في الاتجاه المعاكس عبر المراسيم أو الكونغرس، لكل المبادرات المتخذة في السنوات الثماني الأخيرة.

وحول ملفات أخرى، وخصوصا على صعيد السياسة الخارجية، يلقي الغموض بظلاله: ماذا سيحل في الاشهر المقبلة بمسألتي الانفتاح على كوبا أو الاتفاق حول الملف النووي الإيراني؟

ولن يوفر رجل الأعمال البالغ السبعين من العمر، وسيكون أكبر رئيس يدخل البيت الأبيض، الرئيس المنتهية ولايته (55 عاما). أو سيعتمد بالتالي سياسة مزدودجة على غرار ما يفعل مع عدد من منافسيه أو حلفائه.

وقال في تغريدة أواخر ديسمبر: "سأبذل قصارى جهدي لتجاهل عدد كبير من العقبات أو التصريحات النارية للرئيس أوباما. كنت أعتقد أن المرحلة الانتقالية ستتم بسلاسة. لكن لا".

وردا على سؤال بعد ساعات حول هذا الموضوع، أكد أن العملية ستتم "بسلاسة كبيرة جدا". وأرفق اجابته بابتسامة عريضة.

الخروج على التقليد

وقال ديفيد كلينتون من جامعة بايلور ومؤلف كتاب حول الفترات الانتقالية، "وجهت في السابق انتقادات الى الإدارة المنتهية ولايتها، لكنها كانت تقتصر عموما على تعليقات مغفلة من الفريق الجديد. واستخدام ترامب التغريدات لهذه الغاية مسألة جديدة جدا".

ولا يركز رجل الأعمال المبتدئ في السياسية ضرباته على الملفات الآنية.

فقد أعلن أوباما عقوبات على موسكو المتهمة بأنها حاولت التأثير على نتيجة الانتخابات الرئاسية. فأشاد ترامب بـ "ذكاء" الرئيس الروسي بوتين.

وألمحت السلطة التنفيذية الى نقل معتقلين جددا من غوانتانامو الى بلدان أخرى. وحذر الرئيس المنتخب من هذا المسعى، مشددا على التهديد الذي يشكله "أشخاص بالغو الخطورة".

واعتبر ساباتو أن "دونالد ترامب تصرف كما لو أنه رئيس مشارك أو بصفته رئيسا تسلم مهامه على الأرجح".

وأطلق أوباما من جهته مجموعة من المبادرات في اللحظة الاخيرة، تمهيدا لوصول ترامب: الامتناع عن التصويت على قرار للأمم المتحدة ضد الاستيطان الإسرائيلي، ومراسيم تعرقل أي عملية حفر جديدة عن الغاز او النفط في مناطق شاسعة في المحيط المتجمد الشمالي.

وبتأكيده في لقاء مع مستشاره السابق دايفيد اكسلرود أنه اذا استطاع أن يترشح من جديد، فإنه سيفوز على ترامب، كان يعرف من جهة أخرى انه يصيب في الصميم خلفه الذي لا تحتاج حساسيته الى دليل.

ولا يتسم تاريخ الفترات الانتقالية الرئاسية بالسلاسة دائما.

فالفترة الانتقالية أواسط القرن الماضي بين هربرت هوفر وفرانكلين روزفلت، ستبقى في كتب التاريخ واحدة من الأكثر صخبا، إذ إن كلا من الرئيسين رفض التحدث الى الآخر خلال حفل التسليم والتسلم.

وفي نهاية ثمانينيات القرن الماضي، كان انتقال السلطة بين الديمقراطي جيمي كارتر والجمهوري رونالد ريغان، متوترا، على خلفية أزمة الرهائن الأميركيين في طهران التي حلت يوم تسلم الجمهوري مهام منصبه.

أما التسليم والتسلم بين جورج دبليو. بوش وباراك أوباما، أواخر 2008/ مطلع 2009، فغالبا ما يطرح على انه مثال نموذجي.

ودائما ما يشيد أوباما بسلفه، ليؤكد تمسكه بانتقال السلطة "بسلاسة"، باعتبارها "إحدى سمات ديمقراطيتنا". وقد يبقى انتقال السلطة المقبل على الأرجح واحدا من أغربها على الإطلاق.