كان على مجلس النواب الأميركي، قبل أن يصوِّت بأغلبية 342 صوتاً ضد ثمانين صوتاً لمصلحة إدانة قرار مجلس الأمن الدولي الأخير الذي اعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير شرعية، وأنها "ليس لها أي سند قانوني، وتشكل خطراً حقيقياً على حل الدولتين"، أن يضع في اعتباره أن كثيرين في هذا العالم، وربما منهم بعض الأميركيين، سيقولون إن هذا "التصويت" مع الاستيطان المرفوض دولياً مرده إلى أن الولايات المتحدة قد أقيمت، كدولة، على الاستيطان، وأن "الطلائعيين" من شعبها قد جاءوا من وراء البحار والمحيطات ليستعمروا هذه البلاد، ولينكلوا بأهلها الشرعيين "الهنود الحمر"، كما ينكل الإسرائيليون الآن بالشعب الفلسطيني، ويقيمون مستوطناتهم على أرضه المتوارثة على مدى آلاف السنين بالحديد والنار.

كانت الولايات المتحدة قد رفضت السياسات الإسرائيلية الاستيطانية مبكراً، في عهود الديمقراطيين والجمهوريين على حدٍّ سواء، ولذلك فإن إدارة باراك أوباما انسجمت مع هذا الموقف عندما لم تستخدم حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد هذا القرار الذي طالب إسرائيل بـ"إيقاف كل الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية فوراً وبشكل نهائي"، وحيث هاجمها كل هذا العدد الهائل من النواب الأميركيين الديمقراطيين والجمهوريين، بالإضافة إلى الرئيس المنتخب دونالد ترامب، لامتناعها عن التصويت مما أتاح المجال لمرور هذا القرار.

Ad

ولعل ما جعل النواب الأميركيين يهاجمون قرار مجلس الأمن الآنف الذكر هو الجهل بأن بلدهم، الولايات المتحدة الأميركية، قد رفضت وبقيت ترفض على مدى أعوام طويلة متلاحقة أي نشاط استيطاني إسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أي الأراضي التي احتلت خلال عدوان عام 1967، إضافة إلى الجهل أيضاً بأن هذا التصويت الذي جاء تظاهرياً وكاسحاً لن يغير في مسار الأحداث المتعلقة بهذه القضية شيئاً، وأنه لن يصح في النهاية إلا الصحيح، والصحيح هو أن العالم بأسره قد ضاق ذرعاً بهذه الدولة الإسرائيلية، ووصل إلى حد "القرف" مما بقيت تفعله منذ نحو نصف قرن وأكثر.

والمعروف أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب كان قد أعلن في ذروة معركة انتخابات الرئاسة الأميركية، وما زال يكرر هذا الإعلان، أنه سينقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وإنْ تم هذا فعلاً فإنه سيضع الولايات المتحدة في مواجهة إدانة تاريخية، حيث من المعروف أن القيم والأعراف والقوانين الدولية تمنع أي دولة من إقامة سفارة لها في أرضٍ محتلة، ولذلك فإن كل إدارات أميركا التي تناوبت على البيت الأبيض منذ 1948 امتنعت عن نقل سفارتها إلى المدينة المقدسة حتى قبل احتلال عام 1967... فكيف بعد ذلك؟!

ربما لا يعرف ترامب، الذي طلب منه نائب الرئيس الأميركي جون بايدن قبل يومين أن "ينْضُج"... أي أن يتوقف عن كل هذه التصرفات الطفولية التي لا تليق برئيس أهم وأكبر دولة في العالم، أن نقل سفارة بلاده إلى القدس، في ظل هذه الأوضاع الملتهبة في هذه المنطقة، وحيث بات الإرهاب يدق أبواب الغرب والولايات المتحدة بقبضة قوية، سيعطي التنظيمات الإرهابية حقنة قوية، وسيجعل ملياراً ونصف المليار من المسلمين يتعاطفون مع هذه التنظيمات التي من المفترض ألا تُوفِّر لها أي حجة لتبرير ما تقوم به من دمار وخراب، ومن أفعالٍ شائنة معادية للإنسانية ولبني البشر، في أي مكان من الكرة الأرضية.