الخطوات التي ينوي وزير العدل وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة اتخاذها بشأن احالة اعضاء مجلس امناء هيئة مكافحة الفساد إلى التقاعد من شأنها نسف أحكام قانون انشاء الهيئة رقم 2 لسنة 2016 الذي كفل للهيئة الاستقلالية بحكم المادة الثانية من قانون الهيئة، بل ومخالفة أحكام المادة 9 من القانون ذاته، مما سيجعل القرار الصادر من الوزير بالإحالة إلى التقاعد، او من مجلس الوزراء، مشوبا بعيب عدم الاختصاص لصدوره من غير مختص، وهو ما سيعرض القرار الصادر للإلغاء وإعادة أعضاء مجلس الامناء الى اماكنهم، مع احقيتهم في التعويض المادي والادبي.

قانون انشاء هيئة مكافحة الفساد لم يعرف تطبيقا لأحكام الإحالة للتقاعد، ولا حتى تطبيقا لقانون الخدمة المدنية إلا على الموظفين العاملين في الهيئة وفق حكم المادة 19 من قانون إنشائها، بل أناط لمجلس الامناء صلاحيات ديوان الخدمة المدنية لتطبيق أحكام قانون الخدمة المدنية على الموظفين تأكيداً لمبدأ الاستقلالية التي اراد القانون تحقيقها لهذه الهيئة، ومن ثم فإن إقدام الوزير على تطبيق فكرة الإحالة للتقاعد بخلاف أنه اغتصاب لسلطة مجلس الامناء فهو يمثل اعلاناً حكوميا بإهدار كل حرف تمت صياغته في قانون إنشاء هيئة مكافحة الفساد.

Ad

كما ان قانون الهيئة لم يعرف طريقا لانهاء مدة اعضاء مجلس الامناء الا بأحكام الفقرتين الأولى والثانية من المادة التاسعة بعد ان تشدد في شروط تعيين اعضاء مجلس الامناء بأحكام المادتين السادسة والسابعة من قانون إنشاء الهيئة، ومن ثم فإن الإقدام على فكرة الاحالة الى التقاعد لمجرد عدم القدرة على حل الخلافات الدائرة بين عدد من اعضاء مجلس الامناء والتي حدد القانون طريق معالجتها في المادة 9 من القانون يعد عبثا بأحكام القانون وتعديا على مبادئه وأساسياته، فمن يحكم الهيئة هو قانون انشائها واللائحة التنفيذية المكملة للقواعد المنصوص عليها بأحكام القانون والتي تعد أحكاماً خاصة تقيد ما نص عليه قانون الخدمة المدنية بشأن إحالة القياديين للتقاعد.

وأما التعذر بعدم وجود صلاحيات لاعضاء مجلس الأمناء مع إصرار عدد من الامناء على الحصول على صلاحيات لهم هو أمر في غير محله ويخالف احكام القانون الذي حدد صلاحيات مجلس الأمناء، ولا يمكن منحهم صلاحيات لكل منهم على حدة من دون نص القانون على ذلك، وهو امر ان حدث فسيعرض أعمال الهيئة للبطلان، بل والانعدام أمام القضاء، إذ إن المختص بإصدار القرارات هو الرئيس ونائبه حال غيابه، في حين أن أعضاء مجلس الأمناء لهم صلاحياتهم الواردة بأحكام القانون كأعضاء في مجلس الأمناء، ولم ينط بهم القانون ممارسة اعمال تنفيذية شأنهم شأن الرئيس او نائبه.

ومن ثم فإن فكرة ارضاء عدد من اعضاء مجلس الامناء مع كامل تقديري لشخوصهم يجب ان تكون على حساب تعديل قانون الهيئة الحالي بإعطائهم صلاحيات تنفيذية محددة بالقانون، لأن الوضع التشريعي الحالي لا يمنحهم ذلك، وأي محاولات اخرى تمنح الأعضاء صلاحيات بعيدا عن التعديل التشريعي تمثل انتهاكا لقانون الهيئة ولاستقلالها، ومع ذلك يجوز لمجلس الامناء الحالي تشكيل لجان تتبع مجلس الامناء ذاته ويتولى الأعضاء رئاستها، ولتلك اللجان القيام بتقديم الاقتراحات والآراء التي من شأنها ان تساهم في عمل الهيئة.

الإحالة للتقاعد او التهديد باستخدمها بخلاف أنها تمثل مخالفة صريحة لأحكام قانون انشاء الهيئة هو عبث اداري قد يستخدم مستقبلا لتهديد اعضاء الهيئة ومنعهم من ممارسة أعمالهم وأداة ضغط لحثهم على عدم محاربة الفساد، ومن ثم فإن من سيأتي للمنصب مستقبلا سيعلم انه سيعمل تحت هذا السلاح ذاته، إذا ما خرج عن جادة طريق الحكومة او الوزير، وسيكون الحديث عن وجود هيئة للفساد تحقق في جرائم الفساد وملاحقة الفاسدين هو حديث لا يعبر عن حقيقة عمل الهيئة وواقعها، بل يجعل صلاحياتها حبراً على الورق، رغم ان من جاء بها عبر مرسوم ضرورة عام 2012 هي الحكومة مما اعتبرته حدثا طارئا يواجه خطرا داهما هو محاربة الفساد.