ربما كان ناصر البراعصي الكاتب الأصغر بين عدد كبير من الكاتبات والكتّاب الشباب في الكويت. ومؤكد أن مستقبلاً باهراً ينتظر هذا الشاب إذا ما أكمل سيره على درب الكتابة الإبداعية، متسلحاً بمعرفة عميقة لعناصر الكتابة الإبداعية الضرورية لجنس الرواية من جهة، ومنفتحاً على قراءات واسعة، محلية وعربية وعالمية، في جنس الرواية والقصة والشعر، وربما الفنون الأخرى. إن كاتباً شاباً يريد أن يحجز لنفسه مكاناً بارزاً في عربة الكتابة عليه أن يتسلح بالقراءة والاطلاع وتجويد الكتابة بمزيد من الكتابة.

ناصر البراعصي أصدر عمله الروائي الأول "يحسبه الظمآن ماءً" بطبعته الأولى 2016 عن دار نوفا بلس. ومن خلال قراءة العمل يبدو واضحاً أن ناصر، وخلافاً للكتابات الأولى لعدد كبير من الكتّاب الشباب التي تقدم نفسها برداء من التجارب الرومانسية، سار في درب مغاير؛ درب يتخذ من قضية إنسانية مهمة وخطيرة موضوعاً لروايته، قضية تكاد تكون واحدة من أهم القضايا التي تواجه الكويت والخليج والعالم بأسره، وأعني بذلك قضية العنف المرتبط بالجماعات الإسلامية المتطرفة. تلك الجماعات المتغلغلة في المجتمعات الخليجية تحت رداء الدين والتدين، التي ترى في الأطفال الصغار صيداً سهلاً، وكنزاً لا ينفد لتنفيذ مشاريعها بمهماتها الانتحارية.

Ad

الواقع المحلي بقضاياه الملحّة هو جذر الكتابة الأهم في كل مكان وزمان، لذا يحسب كثيراً لناصر التصاقه بالواقع الكويتي؛ المكان والشخوص والأحداث. فناصر يعرّي بشكل جميل ممارسات التدين المتشدد الذي يبدأ من الأسرة، ممثلاً بشخصية الأب، ثم ينتقل إلى رجالات التيار الديني المتطرفين. الذين يرصدون الشباب الصغير في المساجد ومجالس العبادة، ثم يتخيرون من بينهم من يعتقدون أنه قادر على تنفيذ مشاريعهم القاتلة.

"كنتُ للتو أنا وأخي حمود قد انتهينا من سماع ندوة الشيخ سالم جبر... كل من في الحضور بدأ يستعد للرحيل. كان كل من في القاعة أطفالا لا تتعدى أعمارهم سن المراهقة. وأنا كنتُ واحداً منهم. استوقفنا من بعيد رجلان وهما يشيران بأيديهما لمن يهم بالخروج. كانت دشاديشهما قصيرة ولحاهما طويلة... بدأ أحدهما القول بارتباك، وهو يدعك طرف لحيته:

"من منكم يتمنى الجنة؟"

رفعنا أيدينا جميعاً، وكلنا ينظر للآخر.

"بارك الله فيكم".

كان الرجلان ينظران بتمعن إلينا... كانا يتشاوران مع بعضهما بتكتم. أشار أحدهما إلى خمسة أشخاص... أكبر خمسة أشخاص في نظرهما" ص22.

يبدأ ناصر روايته بمشهد متحرك ودال، حيث الشباب الصغار الخمسة منحشرون في سيارة يقودها ملتحٍ يأخذهم إلى مهمة لا يعرفون عنها شيئا. ولقد كان ناصر موفقاً في اختيار صيغة ضمير المتكلم، حيث الراوي الرئيسي هو بطل الرواية، مما يخلق لحمة كبيرة بين النص والمتلقي. الرواية تراوح بين الحدث الآني والتذكر، إذ تردد البطل "أحمد" في المشاركة في المهمة المجهولة، لذا يُسارِرُ زميله شهاب بتخوفه، وما يلبث هذا الأخير أن يعلن ذلك لقائد المجموعة، الذي يقوم بمعاقبة أحمد.

الرواية تأخذ القارئ إلى أكثر من مغامرة لأحمد: هروبه من المجموعة، ضياعه في الصحراء، وأخيراً التقاؤه بصديق خاله الذي يساعده في العودة من الأراضي السعودية إلى الكويت.

"يحسبه الظمآن ماء" رواية أولى تشير بشكل واضح إلى موهبة ناصر البراعصي، ولو أنها وقعت في هنات الكتاب الأول. لكن ما يبدو لافتاً ومزعجاً هو كمية الأخطاء النحوية التي وردت في الرواية، والتي يتحمل الجزء الأكبر فيها الناشر، فليس أقل من مرور مصحح لغوي على النص قبل طباعته. فالأخطاء النحوية تسيء للكاتب والرواية، مثلما تسيء أكثر للناشر.