هيئة الفساد «ويا فرحة ما تمت»
في نوفمبر ٢٠١٥ شاركت في مؤتمر اتحاد الطلبة بأميركا، وتصادف أن كان جالساً بقربي رئيس هيئة مكافحة الفساد. قلت له حينها إن المهمة التي أوكلت لكم هي أخطر مهمة في البلاد، فإن نجحتم حتى ولو بشكل رمزي فذلك قد يعني بداية خروج البلاد من قمقم الإحباط. وقد أكد الرجل حينها أنهم ماضون في هذا الطريق، وسنرى ما يسرنا قريباً. بالطبع لم يسعدنا البخت أن نرى ما يسرنا، حيث تم حل الهيئة بحكم محكمة، وتجاذبت ظروف تشكيلها التجاذبات، وبعد أن عادت، تبعثرت بين خلافات داخلية وخارجية، حتى وصل الأمر إلى احتمالية ارتكاب الحكومة خطيئة مخالفة إحالة قيادات الهيئة إلى التقاعد.والسؤال هنا لماذا تكون هيئة مكافحة الفساد على هذه الدرجة من الأهمية؟ ولماذا هي أهم من المهمات الأخرى؟ لأن الناس عموماً، ليس كل الناس بالطبع، قد فقدوا الثقة بالحكومة، وكذلك بمجلس الأمة، ونجاح "مكافحة الفساد" في مهمتها، التي تتجاوز "شوية" إعلانات ومؤتمرات صحافية، يتمثل في التمكن من إيداع فاسدين كبار بالمكان الذي يستحقونه، السجن. حينها، وحينها فقط، يبدأ المجتمع في استعادة ثقته بذاته، وبحكومته، وبمجلسه. وعلى هذا الأساس يتم بناء المجتمع.
حالة الفساد عندنا مهينة للعقل الحصيف، فالجميع ينتقد الفساد ويعلن مكافحته له بمن في ذلك كبار الفاسدين، حتى صرنا بلاد فساد بلا فاسدين.لا أظن أن مشكلة البلاد هي استشراء الفساد فحسب، فلدينا قائمة من المشاكل التي تعوق تحرك المجتمع إلى الأمام، إلا أن الفساد، شئنا ذلك أم أبينا، يصر على أن يستحوذ على اهتمام الناس.إلا أن الهيئة وقانونها وصلاحياتها صارت أقرب للمثل المصري "يا فرحة ما تمت"، أو "يا فرخة ما تمت"، على رأي صلاح الليثي، رحمه الله.يبدو أن إنشاء هيئات مهمة وضرورية وأساسية لإعادة تعديل الوضع الإداري الذي تعانيه البلد، ثم تحجيمها، وتحويلها إلى مجرد مبانٍ وامتيازات، وأحياناً "تفليشها"، صار هواية عبثية تهتم بالشكل أكثر من الموضوع. والأمثلة على ذلك عديدة، كجهاز التنافسية أو هيئة حقوق الإنسان، أو هيئة الانتخابات أو هيئة مكافحة الفساد.