كفانا مبادرات دولية!
"أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً"، فمبادرة الدول العربية الثلاث، مصر والجزائر وتونس، لحل الأزمة الليبية، بعد أكثر من خمسة أعوام من التعقيدات التي حالت دون التوصل إلى أي حل، وبعد أن بقي الوسطاء الدوليون يأتون إلى ليبيا ويعودون منها بدون أي إنجاز، وإنما هذه التعقيدات بقيت تزداد تعقيداً وإلى حد أنه لم تعد هناك أي بارقة أمل بأن هذه الدولة العزيزة ستستعيد وحدتها، وأن هذا الشعب العظيم، الذي أنجب شيخ الشهداء المجاهد الأكبر عمر المختار، سينتصر على هذه الخلافات "المفتعلة"، وسيستعيد وحدته وتماسكه.بقي الوسيط الدولي برنارديو ليون يواصل رحلاته المكوكية من ليبيا وإليها، وبقي يحرص على أن يواصل ابتسامته المصطنعة، وأن يهاجم القيادات الليبية المشتبكة بـ"احتضانات" مسرحية وقبلات مصطنعة، بينما بقيت حرب "الأخوة الأعداء" تنتقل من سيئ إلى أسوأ، وذلك إلى حد أن هذه الأزمة كانت بعد كل لقاء تلد أزمة جديدة، حتى أصبحت هناك قناعة لدى العرب ولدى الليبيين أنفسهم بضرورة "إيقاف" هذه اللقاءات، لإيقاف الأمور عند نقطة بالإمكان معالجتها!
وحقيقة إن هذا القفز "الدولي" فوق حبل مشدود من الطرفين، وفي المكان ذاته، بينما الأمور تزداد سوءاً على سوء مع كل طالع شمس ومع كل وسيط جديد لا يقتصر على ليبيا وحدها، فهذا حدث في سورية ولا يزال يحدث، وحدث في اليمن "السعيد"، الذي من سوء طالعه أن علي عبدالله صالح أصبح رئيساً له حتى بعد توحيد شطريه، وحدث في فترة مبكرة بالعراق، وهنا فإن من حسن حظ تونس الخضراء أنها لم تبتل بقائد "ثوري" كالقائد "الثوري" الذي ابتليت به "الجماهيرية"، والقادة "الملهمين" الذين ابتليت بهم "أقطار" عربية أخرى، وأن الله رزقها بـ"المجاهد الأكبر" الذي أقام فيها دولة عصرية، وحول مجتمعها إلى مجتمع حضاري متقدم، وهذا ما جعلها تستوعب زمهرير "الربيع العربي" بهذه الطريقة الحضارية السلسة. لم يكن من الضروري، وعلى الإطلاق، "استيراد" وسطاء دوليين لمعالجة أي قضية من قضايانا المتفجرة فـ"أهل مكة أدرى بشعابها"... ويقيناً لو أن الجنرال محمد الدابي، من السودان الشقيق، بقي وسيطاً في الأزمة السورية لأنجز أكثر كثيراً مما أنجزه الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، الذي كان قد مر في فترة سابقة بالعراق، وبالطبع أكثر بألف مرة مما أنجزه ستيفان دي ميستورا، الذي بقي يقوم برحلات مكوكية في كل الاتجاهات، لكن بدون إنجاز أي شيء، مما أعطى انطباعاً بأن هذا الوسيط بل كل الوسطاء الدوليين، ومن بينهم جمال بن عمر وإسماعيل ولد الشيخ أحمد، مع استثناء الأخضر الإبراهيمي ومساعده ناصر القدوة، قد جاؤوا إلى هذه المنطقة الملتهبة بشعار واحد هو: في الحركة بركة! كان يجب ألا تترك ليبيا كل هذه السنوات المكلفة للوسطاء الدوليين الذين لا نظلمهم إطلاقاً إن قلنا إنهم كلهم قد جاؤوا إلى هذه الدولة العربية وإلى سورية، وإلى هذه المنطقة، بهدف "في الحركة بركة"، ولذلك وعندما تستجد بعد كل هذه الأعوام هذه المبادرة الثلاثية الخيرة "مصر والجزائر وتونس" فإن الشعب الليبي ومعه كل العرب يستبشر خيراً... فـ "أهل مكة أدرى بشعابها".