شعب «ابن نكتة»
![عبداللطيف المناوي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1459078147207955600/1459078157000/1280x960.jpg)
نظريات علمية حاولت تفسير ظاهرة النكتة، إحداها فرعونية الأصل، فيقال إن المصريين القدماء اعتقدوا أن العالم خلق من الضحك فحين أراد الإله الأكبر أن يخلق الدنيا أطلق ضحكة قوية فظهرت السماوات السبع، وضحكة أخرى فكان النور والثالثة أوجدت الماء إلى أن وصلنا إلى الأخيرة خلق الروح، وظهرت في البرديات رسوم كاريكاتورية وعلى قطع الفخار أيضا تنتقد الأوضاع السياسية والاجتماعية احتفظت بها متاحف العالم، واستخدم المصري القديم الحيوانات للسخرية من خصومه السياسيين، فهناك صورة فيها فئران تهاجم قاعة للقطط، والفئران تمتطي العجلة الحربية وتمسك الحراب والدروع حاملة السهام والأقواس، أما القطط فترفع أيديها مستسلمة، وقصد المصريون القدماء أن يمثلوا الهكسوس بالفئران هم وغيرهم من الغزاة، أما القطط فترمز لحضارة شعب مصر.لم يستطع من احتل مصر على مر العصور مقاومة النكتة المصرية، الرومان عندما احتلوا مصر حرموا على المحامين المصريين دخول محاكم الإسكندرية لأنهم كانوا يسخرون من القضاة الرومان ويهزؤون من ضعفهم في تحقيق العدالة، فاستخدموا النكتة والقافية للدفاع عن السجناء السياسيين، وللشاعر الروماني (ثيوكربتوس) مقولة شهيرة قالها قبل الميلاد بنحو 200 سنة "إن المصريين شعب ماكر لاذع القول، روحه مرحة".عندما جاء الاحتلال العثماني لمصر كانت السمة الغالبة عليهم الغطرسة والتوتر، وما ميز أشكالهم الكروش الكبيرة التي وضعت عليهم مسحة من الكسل وضيق العقل، فسخر المصريون من "نفختهم الكاذبة"، فيقول الجبرتي في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار": لقد نكت المصريون على الباشا التركي وحولوه إلى أغنية لحنوها ورددوها "يا باشا يا عين القملة مين قال لك تعمل دي العملة/ ويا باشا يا عين الصيرة مين قال لك تدبر دي التدبيرة"، وجاء ذلك كرد فعل على قسوة الأتراك وتعاملهم الفظ مع المصريين كعبيد، وأطلق المصريون "قفشاتهم" اللاذعة التي نالت من المحتل الفرنسي، والتي كانت تنال من خلاعة ومجون جنود الاحتلال، فانزعج نابليون بونابرت من سخرية المصريين، فأمر أتباعه بإلقاء القبض على من يطلق النكات على الفرنسيين، لتكون النكتة لأول مرة في التاريخ جريمة يعاقب من يرتكبها بالقتل أو الضرب، وأثناء الاحتلال الإنكليزي عندما ظهرت نوعية جديدة من المقاهي أطلق عليها المصريون "المضحكانة الكبرى"، حيث يجلس روادها ليطلقوا ضحكاتهم عاليا والتي تنال من المحتل البريطاني وطريقته الخشنة في التعامل، فقامت السلطات الإنكليزية لأكثر من مرة بإغلاق المضحكانات. النكتة المصرية جزء من الثقافة المصرية، واختفاؤها أو تضاؤلها دليل على أن ما يعانيه المصريون كبير، لذا كما يستخدمها المصريون للمقاومة وللدفاع، يستخدمونها أيضاً كمحاولة للتصبير والرضا بالواقع، مع أمل في تغييره للأفضل، وهكذا تدخل النكتة في كل تفاصيل حياة المصريين، وربما لهذا يطلق عليهم أنهم شعب "ابن نكتة".