المخاطر التي تنتظر شعبوية الرجل القوي

نشر في 12-01-2017
آخر تحديث 12-01-2017 | 00:17
العديد من الناس يعتبرون أن الرئيس التنفيذي الناجح هو شخص يستطيع تحقيق أهداف محددة بوضوح، وعليه فقد توصلوا إلى استنتاج مفاده أن بإمكان رجل الأعمال أن يحل المشاكل الاجتماعية التي لا يستطيع السياسيون حلها.
 بروجيكت سنديكيت لقد أظهرت سنة 2016 أنه لا يمكن أن نعتبر بقاء الديمقراطية الليبرالية من المسلمات حتى في الغرب، ففي واقع الأمر تظهر تحليلات بيانات مسح القيم العالمية من المختص في العلوم السياسية من جامعة هارفارد ياشا مونك أن ثقة الناس بالديمقراطية في العديد من الدول الغربية تراجعت منذ بعض الوقت.

ما الذي يفسر هذه الظاهرة؟ الاضطرابات السياسية في سنة 2016 توحي بأن الكثير من الناس أصابهم الإحباط من عدم اتخاذ الديمقراطية للإجراءات المناسبة، حيث يفترض هؤلاء أنه لم يتم التعامل مع تباطؤ نمو الدخل والبطالة وانعدام المساواة والهجرة والإرهاب بشكل حاسم، وقد بدت المؤسسات السياسية في الدول الديمقراطية في حالة سبات دائم؛ مما أشعل مطالب الناخبين بقادة أقوياء قادرين على اقتحام الطرق المسدودة واكتساح المقاومة البيروقراطية للسياسات الجريئة الجديدة.

إن هؤلاء القادة– الذين يؤكدون أنهم وحدهم القادرون على حل مشاكل البلاد- عادة ما يتم البحث عنهم وإيجادهم في عالم التجارة والأعمال، فالعديد من الناس يعتبرون أن الرئيس التنفيذي الناجح هو شخص يستطيع تحقيق أهداف محددة بوضوح، وعليه فقد توصلوا إلى استنتاج مفاده أن بإمكان رجل الأعمال أن يحل المشاكل الاجتماعية التي لا يستطيع السياسيون حلها.

لكن هذه النظرة مضللة لأن القيادة السياسية مختلفة بشكل أساسي عن القيادة التجارية، وفي لغة الاقتصاديين فإنه يمثل الفرق بين تحليل التوازن العام والتوازن الجزئي، ويجب على قادة قطاع الأعمال عمل إنجازات لما فيه مصلحة المساهمين بالشركة، وألا يشغلوا أنفسهم بما يحصل لبقية المجتمع، فلو تطلب زيادة الربح تخفيض النفقات وتخفيض العمالة فإن بإمكان رئيس الشركة التخلص من بعض الوظائف وتقديم مخصصات نهاية الخدمة للعمال الذين تم الاستغناء عنهم، فالذي سيحصل لهؤلاء العمال لاحقا هو اختصاص شخص آخر؛ أي الدولة. من ناحية أخرى فإن القادة السياسيين ملزمون بمبدأ "شخص واحد، صوت واحد" ولديهم مسؤولية الاعتناء بالأغنياء والفقراء والعاملين والعاطلين عن العمل على حد سواء، حيث يجب على السياسي التحقق من أن العمال العاطلين عن العمل لديهم فرص جديدة أو يخاطرون بخسارة أصواتهم.

إن هذا لا يعني أن وظيفة الرئيس التنفيذي هي أسهل، ولكن من المؤكد أنها محددة بشكل أكثر وضوحا، فالقادة الذين يتعاملون مع مهمة سياسية بعقلية رجال الأعمال من المرجح أن يركزوا بشكل أكبر على الفعالية أكثر من الاندماج والشمولية، ولكن لو تجاهلت إصلاحاتهم الكثير من الناخبين فإن من الممكن تغييرها. كما رأينا سنة 2016 فإن الدول الغربية تحتاج بشكل عاجل إلى إيجاد وسائل للتعويض أو مساعدة أولئك الذين خسروا في ظل الاقتصاد العالمي الحالي، وهذا درس مؤلم تعلمته البلدان في مرحلة ما بعد الشيوعية خلال فترة التسعينيات، فطبقا لتقرير المرحلة الانتقالية الذي أصدره البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية مؤخرا ويدعى "الانتقال للجميع" فإن أولى سنوات إصلاحات السوق أضرت بالأغلبية الساحقة من سكان تلك البلدان.

إن من المثير للاهتمام أن العديد من الناس الذين دعموا تلك الإصلاحات كانوا يفضلون "قادة أقوياء"، فجادلوا بأنه نظرا لأن الإصلاحات لم تحظَ بالشعبية فإنه يجب فرضها على الناس عوضا عن تعطيلها من خلال ممارسات ديمقراطية مكثفة، ولسوء الحظ فقد كان لهذا الطرح آثارٌ عكسية، ففي حين استطاع بعض القادة الأقوياء تنفيذ الإصلاحات بشكل سريع فإن الإجراءات أفادت فقط أقلية من الناس، والعديد منها تم تغييره في نهاية المطاف.

إن الخصخصة مثال على ذلك، فالشركات التي تملكها الحكومات هي في الغالب شركات غير فعالة وعادة ما توظف عمالة تزيد على الحاجة، وعليه عندما يتم تخصيصها تصبح أكثر فعالية، ولكنها تتخلص من العمالة كذلك وهذا يعتبر تطورا إيجابيا على مستوى الشركة، ومن منظور التوازن الجزئي، ولكن هذا قد لا يعتبر تطورا إيجابيا لو نظرنا إلى رفاهية العمال المسرحين وأبعاد التوازن العام على المجتمع. لو أدى التخصيص إلى تسريح العديد من العاملين بدون تعويض فإن غالبية المواطنين قد ينظرون إليه كعملية غير شرعية، مما قد يؤدي إلى تقويض دعمهم للملكية الخاصة للمنشآت المنتجة، وهذا بالضبط ما حصل في أماكن لم تقتصر على عدة دول في ما مرحلة ما بعد الشيوعية، حيث أصبحت كلمة التخصيص كلمة قذرة. إن الضرر الذي تتسبب به إصلاحات غير شعبية مؤكدة دام لفترة أطول بكثير من الإصلاحات نفسها، ففي العديد من بلدان مرحلة ما بعد الشيوعية أدى إلى الألم الذي تسببت فيه تلك الإصلاحات لخلق الظروف السياسية لتولي الرجال الأقوياء الشعبويين مهام القيادة، وعندما قام بعض هؤلاء القادة الجدد بتغيير إصلاحاتهم أزالوا كذلك ضوابط مؤسساتية على سلطتهم من أجل تصعيب مهمة أولئك الذين يتحدون تلك القرارات، وعندما أحكموا سيطرتهم على السلطة أعادوا توزيع ثروة البلاد على أنصارهم المقربين، وعليه فإنه من غير المفاجئ أن انعدام المساواة في العديد من تلك البلدان هو أسوأ اليوم مقارنة بما كان عليه الوضع عندما تم التخلي عن الخصخصة والإصلاحات الأخرى.

ولهذا السبب فإن المؤسسات الديمقراطية مهمة للغاية لأنها تمكن أولئك الذين تضرروا من الإصلاحات من الحصول على تعويض وبوجود "شخص واحد، صوت واحد" فإن هذا يعني أن "الخاسرين" هم بالأهمية نفسها لـ"الرابحين"، ولأن السياسات الديمقراطية الحقيقية يجب أن تشمل الجميع بحق فإن تطبيق الإصلاحات في بلد ديمقراطي يحتاج للوقت والجهد، لكن العملية المؤلمة لبناء ائتلافات عريضة مؤيدة للإصلاح ستتحقق من استمرارية تلك السياسات.

على المدى الطويل فإن الإصلاحات التي تشمل الجميع وتهتم بهم ستبقى، في حين ستنتهي الإصلاحات السريعة والقذرة، وستهزم سلحفاة الديمقراطية أرنب الدكتاتورية الخيرة.

* سيرجي غورييف، كبير الاقتصاديين في البنك الأوروبي لإعادة التعمير والتنمية.

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top