عقد في فرنسا أمس مؤتمر دولي بمشاركة 70 دولة و5 منظمات دولية من بينها الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، في محاولة جديدة لإحياء مساعي السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وحذر وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت، أمس، من أن مشروع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى مدينة القدس ستكون له «عواقب خطيرة».

Ad

وقال أيرولت إن «أي رئيس أميركي لم يسمح لنفسه باتخاذ قرار كهذا»، مضيفا «حين يكون المرء رئيسا للولايات المتحدة لا يمكن أن يكون موقفه حاسما وأحاديا إلى هذا الحد بالنسبة إلى قضية مماثلة، يجب السعي إلى تأمين ظروف السلام».

وأكد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لدى افتتاحه للمؤتمر أن دعوة بلاده لعقد الاجتماع جاءت مع تزايد مخاطر توسع الصراعات في الشرق الأوسط وتسريع وتيرة الاستيطان.

وقال إن حلم «حل الدولتين» لايزال يحظى بدعم المجتمع الدولي، مضيفا أن المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين هي الطريق الوحيد للتوصل إلى حل لإنهاء النزاع دون إملاء مقاييس الحل على الطرفين.

ودعا الرئيس المجتمع الدولي إلى الضغط على الفلسطينيين والإسرائيليين من أجل العودة إلى طاولة مفاوضات السلام مجددا.

وشكلت قضية القدس وتوجيه رسالة بذلك إلى ترامب محور مناقشات المؤتمر الذي شاركت به بريطانيا والولايات المتحدة.

وعكست تصريحات الوزير الفرنسي قلق المجتمع الدولي حيال استراتيجية ترامب حول ملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والشطر الشرقي للقدس الذي وقع تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967. وتسعى إسرائيل إلى جعل القدس عاصمة موحدة لها بدلا من تل أبيب، فيما يطالب الفلسطينيون بالقدس الشرقية، التي تضم المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وحائط البراق، عاصمة لدولتهم المستقبلية.

وتميز ترامب باتخاذ قرارات منحازة جدا لإسرائيل، خصوصا بشأن القدس. فقد وعد خلال حملته بالاعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها من تل أبيب.

ويشكل ذلك خطا أحمر لدى الفلسطينيين الذين يهددون بالتراجع عن اعترافهم بإسرائيل في حال حدث ذلك.

رمزية وختام

وجاء المؤتمر في إطار مبادرة فرنسية اطلقت قبل عام لتعبئة الأسرة الدولية من جديد وحض الإسرائيليين والفلسطينيين على استئناف المفاوضات المتوقفة منذ سنتين.

وأخذ الاجتماع طابعا رمزيا مع تراجع آفاق «حل الدولتين» بسبب الوضع على الأرض الذي يشهد استمرارا للاستيطان الإسرائيلي وهجمات فلسطينية وتشددا في الخطاب وتزايد الشعور بالإحباط.

وأفادت مصادر لقناة «الحدث» بأن البيان الختامي للمؤتمر الذي عقد من دون الطرفين المعنيين، الفلسطيني والإسرائيلي، شدد على ضرورة الحفاظ على فرص التوصل إلى حل لإنهاء النزاع على أساس «إقامة دولتين».

وأكد البيان حق الفللسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة إلى جوار إسرائيل. وحذر من مواصلة سياسة الاستيطان الإسرائيلي على الأراض الفلسطينية المحتلة، وخاصة ما يهدد التواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية المستقبلية.

وذكر البيان الختامي بالوثائق الدولية المرجعية حول النزاع، وخصوصا قرارات الأمم المتحدة، من دون أن يدخل في التفاصيل أو يحدد أطراً دقيقة لتسوية النزاع تفاديا للخلافات الدولية بشأن النزاع.

والأسرة الدولية، وإن كانت تؤكد من جديد التزامها «حل الدولتين»، ليست موحدة في موقفها. فسواء داخل «الاتحاد الأوروبي» أو بين الدول العربية، هناك بعض البلدان التي لديها أولويات أخرى أو لا تريد إثارة استياء الإدارة الأميركية المقبلة.

ومثل اجتماع باريس المحطة الأخيرة في سلسلة من المبادرات حول النزاع التي كان أهمها القرار الذي تبناه مجلس الأمن الدولي في 23 ديسمبر الماضي.

فقبل شهر من مغادرتها السلطة، امتنعت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما عن التصويت على قرار يدين الاستيطان الاسرائيلي، للمرة الأولى منذ 1979. وأثار الموقف غضب ترامب الذي كان دعا واشنطن إلى استخدام حق النقض (الفيتو) ضد النص.

وبعد أيام ألقى وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي حضر أمس، خطابا أقرب إلى شهادة سياسية، دان فيه الاستيطان وعدد مبادئ حل للنزاع.

عبثية وجهنم

في غضون ذلك، جدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، انتقاد المؤتمر، الذي رفض حضوره، ووصفه بأنه «عبثي» جاء بهدف «فرض شروط على إسرائيل لا تتناسب مع حاجاتنا الوطنية».

وأضاف: «المؤتمر يبعد السلام أكثر عنا، لأنه يجعل المواقف الفلسطينية أكثر تشددا، ويبعد الفلسطينيين أكثر عن إجراء مفاوضات مباشرة من دون شروط مسبقة».

واعتبر أن المؤتمر «هو الرجفات الأخيرة لعالم الأمس. الغد سيكون مختلفا تماما، وهو قريب جدا».

في المقابل، قالت حركة «فتح» التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إن إقرار نقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس «سيفتح أبواب جهنم».

مصالحة موسكو

من جهة أخرى، بدأت في العاصمة الروسية موسكو، وفود تمثل مجموعة من الفصائل الفلسطينية اجتماعات غير رسمية بهدف التغلب على حالة الانقسام الفلسطيني، ووضع برنامج مشترك لتحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية.

وتشارك وفود كل من «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» برئاسة قيس عبدالكريم، و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» برئاسة ماهر الطاهر، و«الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة» برئاسة طلال ناجي، و«حزب الشعب»، و«حركة الجهاد»، وحركة «فتح» ويمثلها عزام الأحمد، ووفد عن حركة «حماس»، والأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي في الاجتماعات التي تستمر حتى غد.

قصف غزة

في هذه الأثناء، قصف الجيش الإسرائيلي موقعا عسكريا تابعا لحركة «حماس» التي تسيطر على قطاع غزة بعد إطلاق نار على مركبة عسكرية إسرائيلية، من دون وقوع إصابات.

وأكدت وزارة الداخلية التابعة لـ «حماس» قصف موقع في منطقة الفخاري الحدودية مع إسرائيل، ولكنها قالت إن «دبابات وجرافات إسرائيلية توغلت داخل القطاع».