نصف الهمّ الموصلي انزاح عن بغداد
بكثير من التضحيات في صفوف قوات النخبة والمدنيين، يمكن القول إن «نصف همّ الموصل» انزاح عن حكومة بغداد التي تعيش قلقاً بالغاً منذ ثلاثة أشهر جراء أطول وأشمل عملية حربية تخوضها ضد الإرهاب منذ سقوط نظام صدام حسين.وأصبح الجزء الشرقي، أو ما يُعرف بالساحل الأيسر للمدينة، بيد العراقيين عدا بعض الجيوب التي ستنتهي بسرعة.
وبدأت تحضيرات لحفل انتصار داخل الجزء الشرقي يحضره رئيس الحكومة حيدر العبادي بنفسه، ورغم ذلك، فإن هموم الرجل قد تتزايد بسبب بعض تشكيلات الحشد الشعبي، فالإنجاز الذي تم بجهد الجيش النظامي ونخبته ودعم أميركي كبير، أخذ يثير غضب الفصائل المسلحة الموالية لإيران؛ لأنها لم تُمنح دوراً مهماً.وطوال عامين ونصف العام من المعارك نجحت دعاية الفصائل هذه في رسم صورة مفادها أن الجيش المدعوم من أميركا فقد قدرته على القتال، ولم يبق أمام العراق سوى الاستعانة بالحرس الثوري الإيراني والميليشيات العراقية المتحالفة معه في العراق وسورية، لكن الأشهر الستة الأخيرة شهدت تحولاً كبيراً، إذ نجحت المؤسسة العسكرية في استعادة هيبتها، وأصبحت النجم الوحيد تقريباً في كل البطولات، وتراجعت صورة «الحشد الشعبي» وأمراء الفصائل، لاسيما في معركة الموصل، دون أن يعني هذا أن هذه التشكيلات ستتنازل عن المنافسة مع الدولة.وكانت العلاقة بين القوات الحكومية وأهالي الموصل سيئة على طول الخط، لكن قوات النخبة التي باتت رأس الحربة في المعارك، نجحت وبسيناريو معدّ بعناية، في بناء ثقة مع الأهالي بفضل انضباط عالٍ وعمليات إغاثة ومعونات صحية وغذائية في المناطق المحررة، حيث تنشغل الصحافة بنقل صور وفيديوهات توثق عملية إنقاذ حقيقية، وتظهر امتنان الموصليين لهذا التعامل المنضبط غير المسبوق، كما أن هذه القوات تعمل بخطة مصممة بعناية، على تغيير الصورة النمطية عن أهل الموصل كمتعاطفين مع «داعش»، والتي كرّستها دعاية المؤسسات القريبة على طهران، إذ بدأت القوات العراقية تعلن بنحو مكرر أن الموصليين يقومون بدور حاسم في توفير المعلومات التي سهلت تحرير الجزء الشرقي من المدينة، معبرين عن انحيازهم لبغداد، ورفضهم التنظيم.إلا أن أي دخول غير منضبط لقوات «الحشد الشعبي» في المعركة من شأنه أن يبدد هذه الجهود التصالحية.