«أوضــاع العالم 2017»... مَن يحكُم العالَم؟

نشر في 17-01-2017
آخر تحديث 17-01-2017 | 00:05
كِتاب مَن يحكُم العالَم
كِتاب مَن يحكُم العالَم
«مَن يحكم العالَم؟» عنونت «مؤسّسة الفكر العربي» الترجمة العربيّة لكِتاب «أوضــاع العالَم 2017» هذا العام، الذي صدر عن سلسلة «حضارة واحدة»، وأشرف عليه الباحثان الفرنسيّان الأستاذان في معهـد الدراسات السياسيّة في باريس، بـرتران بــادي ودومينيك فيـــدال، في حين نقله إلى العربيّة نصير مروّة.
ويرصد الكتاب القوى التي انتهى إليها حُكم العالَم، لا سيّما أنّ الدُّول لم تعُد وحدها المسيطرة عليه، حتّى لو ادَّعت ذلك.
تقلب العَولَمة، ولا تزال، العلاقاتِ الاجتماعيّة رأساً على عقب، من منظور المُشرفين على كِتاب «مَن يحكم العالَم؟» الصادر أخيراً، مولِّدة ارتهاناتٍ جديدة، تجعل الشبكات والشـركات المتعدّدة الجنسيّات تتحدّى سـيادات الدُّول. ويترجم ذلك نفسه أيضاً بما يظهـر من تفتُّت في السُّـلطة، وترابطات وارتهانات مُتبادَلة ومُتزايدَة التعقيد. فهويّة العَولمة هذه، بحسب الكتاب، تكمن في «أنّها تلك القدرة الاسـتثنائيّة على ابتكار الشبكات، وهي قدرة متكتِّمة ولكنّها غامضة مُلتبسة، وتُترجَم في الحين ذاته بتجزّؤ السلطة، وتفتّتها بسبب التّرابط، وبعِلـَّةِ الارتهان المتبادَل الذي يزداد تعقيداً».

معالم

رصد كتاب «من يحكم العالم؟» معالِم عدة من النظام الدولي ومتغيـّراته التي تُولـِّد السلطة؛ مميزاً خمسة من معالِمه: التقليد الذي اســتَحدثَ في العالَم الأدوات الأولى للسـيطرة، ولم ينقطع عمله هـذا حتّى في أكثر المجتمعات حداثةً، لأنّه يتواصل عبر الرقابة الاجتماعية والتحكّم الاجتماعي، وعبر النظام الأبوي البطريركي، وتقسيم العمل بين الجنسَين، ومن خلال الزبائنيّة والعصبية والمحسوبية. أمـا ثاني هذه المعالِم فهو المقدَّس والديني كونه يشكّل امتداداً للأعراف والتقاليد، ويستمر ويتواصل إمـا بتنظيم سيطرة بذاتِها ولذاتِها، وإمـا بتزويـد دوائر أخرى بأدوات تدعيمٍ وتعزيز ثمينة تفيدها في تدعيم سيطرتها وتعزيز غلبتها. وثمة في المحل الثالث، الدولـة التي كان مبرر وجودها ادعاؤها الحق في احتكار ممارسة السلطة السياسية. ثم يأتي رابعاً الاقتصاد الذي انفصل كفئة مستقلة أو «مقولة» منـذ بروز الرأسـمالية التجارية في حدود عصر النهضة، وراح يدعي تدريجياً بغلبة مستقلة بذاتها لا تزال قائمة إلى يومنا. وأخـيراً، ثمة العَولمة وهي أبعـد من أن تكون امتـداداً لرأسـماليّة الأمس، وتَسـتحدِث مشـهداً عالمياً جديداً، ثم تُعبّئ ثوابت ومتغيرات غير مسـبوقة للسـلطة وتُجـنّدها، لا سـيما عـبر ثورة الاتصالات، التي هي أساس شكلٍ جديد لا سـابق له من الغلبة والسّـيطرة.

بناء عليه، توزّعت بحوث الكِتاب في أقسامه الثلاثة لتدرس بعمق معالِم النظام العالمي الجديد، وعدم الاكتفاء بمحاولة فَهم مَن يَحكُم العالَم؟ بل اتجاهها كذلك إلى فَهم كيف يُحكَم هذا العالَم أيضاً. 

الحكم المتعدد للعالم

تحت عنوان «الدوائر الكبرى، والتأهيل الاجتماعي للنُّخب العالمية»، فكَّك أُستاذا عِلم الاجتماع برونو كوزان وسـيباستيان شــوفان الدوائر التي لا تزال السلطة الغربية تسيطر بها على العالَم، وعايَنا ديناميات تتم من خلالها هَيْكَلة مَيادين أو حقول السلطة الغربية بشكلها «العصري»، وانتشار هذه السلطة على الصعيد العالَمي، والطرائق التي تكوّن علاقات وروابط سلطوية عابرة للأوطان والقوميات. في دراستهما «آليات عمل النوادي»، لاحَظا أن الأخيرة لم تَعُد أماكن للتنسيق السياسي، ولا لاتّخـاذ قرارات اقتصادية كبرى، إلا أنهـا رغم ذلك «لا تزال تساهم في تداول المعلومات، كذلك في انبعاث تضامنات وبروز حسٍّ طبقي مُشترَك يمكنه أن يؤثِّر في هذه المسارات والسيرورات. بخلاف ذلك، ورغم أنها نادراً ما كانت من الموارِد والأدوات الحاسِمة بالنسبة إلى الفاعلين والفعاليات الرئيسة في حقل السلطة، فغالباً ما كان لها دَور في التراكم الابتدائي وفي توريث رأسمالها الاجتماعي، كما يمكن أن تكون لهـا أهميتها بالنسبة إلى الأفراد الذين ليست لديهم علاقات اجتماعيّة مهمّة»، مُستندَين إلى سيرة ديفيد كاميرون الذي لطالما كان عضواً في نادي White’s، الذي كان والده يرأسه، واسـتقال منه عام 2008، حين كان يسـتعدّ لرئاسة الحكومة البريطانيّة.

على الغرار نفسه، وفي بحث «المـافيــات، كممثلات للحَوْكَمَة»، فنَّد فنشــينزو روجــيّرو الكيفية التي تنجح بها المافيات في التأثير في الحكومات، متفحصاً السـمات التي تتجلّى الجريمـة المُنظَّمة أو تظهر عبرها. في جولة على بلدان مثل روسيا، وكولومبيا، والمكسيك.. وغيرها يُظهِر الباحث كيف باتت الجريمة المُنظَّمة نشاطاً متعدّد الوجوه (إنتاج الكوكايين وتَصديره؛ طباعة العملات المزوَّرة من فئتَيْ الدولار واليورو، تزوير جوازات سفر، اختطاف، تجنيد قَتَلة، تنظيم الدعارة على مستوى واسع..إلخ) يسمح بممارسة شكلٍ من الحَوكَمة، بسبب الوضعيّة اللّاشـرعيّة التي يعيش فيها جانب كبير من نخب البلدان، وهي على اسـتعداد لتقاسم السلطتين الاقتصاديّة والسياسيّة مع المنظّمات غـير الشرعيّة، موضحاً أن هذا الفساد يسـود في مؤسّسات رسميّة كالجيش والشرطة تـُوفِّـر للجريمة أرضيّةً خصبة.

أمّا بحث إيفـان دو رويّ «عنـدمـا تسـتولي الشـــركات المتعدّدة الجنســـيّات على السلطة»، فأظهر الضخامة الاقتصاديّة للشركات التي تتحدّى اقتصادات الدُّول القوميّة وتُنافِسها. ولعلّ الدليل على المنافسة التي تقوم بها شركات المال والصناعة النفطيّة والسيّارات والطّاقة... هو استخدام مَتاجـر Walmart المركزيّة الكبرى الأميركيّة، نحو 2,2 مليون شخص، أي مـا يناهز عـدد سـكّان باريس، فضلاً عن تحقيقها حركة مبيعات تزيد قيمتها على 485 مليار دولار سنويّاً، أي مـا يُعادل النّاتج القومي القائِم للأرجنتين أو لتايوان؛ فيما تُقارِب الميزانيّة المصرفيّة العموميّة لبنك باريس القوميBNP Paribas الألفَيْ مليار يورو، أي ما يُوازي النّاتج الوطني القائِم للبلد الذي اتَّخـذ مقرّه فيه، أي لفرنسا التي تحتلّ مرتبة القوّة الاقتصاديّة السادسة في العالَم.

هكذا تعدّدت الميادين المعرفيّة وحقول الاختصاصات التي أطلّت منها بحوث «أوضاع العالَم 2017» على الأنمـاط المختلفة من ممارَسة السلطة في العالَم.

back to top