التوازن الاستراتيجي في منطقة الخليج العربي!
إن نظرتنا وثقافتنا وفكرنا أمور آنية وربما سطحية، ولهذا لابد من إمعان النظر في مسألة غاية في الأهمية هي مسألة التوازن الاستراتيجي في منطقة الخليج العربي، وعلى مستوى الوطن العربي، فالأمر يتعلق بالوجود، وعندها يكون التفكير في قضايا رئيسة تتجاوز الحاضر إلى المستقبل على المديين المتوسط والبعيد.
ماذا يعنى التوازن الاستراتيجي في المنطقة؟ وجود كيانات سياسية رئيسة تتوافر فيها مقومات القوة، وتتكافأ في التعامل الندي إقليمياً بوجود سياسات تهمها المصالح المشتركة في إطار احترام سيادة وحدود دولها. نكتشف أحياناً أو غالباً أننا متأخرون في اتخاذ موقف أو تحقيق إنجاز كان يجب علينا التفكير فيه منذ زمن، والسبب أن نظرتنا وثقافتنا وفكرنا أمور آنية وربما سطحية، ولهذا لابد من إمعان النظر في مسألة غاية في الأهمية هي مسألة التوازن الاستراتيجي في منطقة الخليج العربي، وعلى مستوى الوطن العربي، فالأمر يتعلق بالوجود، وعندها يكون التفكير في قضايا رئيسة تتجاوز الحاضر إلى المستقبل على المديين المتوسط والبعيد، والسؤال هنا: ما تلك القضايا المهمة التي تتصل بالوجود والتي علينا التفكير بها، مع الأخذ بعين الاعتبار ما يتطلبه الواقع من جهود ثقافية تركز على تلك الرؤية؟ إن ذلك يعنى أن مقومات دول الخليج العربية ضعيفة، وتحتاج إلى إعادة النظر فيها، والتفكير الجدي في تقويتها، فما تلك المقومات؟ وما مشكلاتها دون الدخول في تفاصيلها؟ أولاً- الخلل في التركيبة السكانية: تعيش أغلب دول الخليج العربية خللاً في التركيبة السكانية بتفوق عدد الوافدين على المواطنين، وهذا وضع استثنائي يجب أن يكون مؤقتاً، ولابد من الشروع في تعديل التركيبة السكانية، ليس عددياً فحسب بل نوعياً أيضاً وذلك في قوة العمل.
إن بعض دول الخليج العربية هي الوحيدة على الكرة الأرضية التي يقل فيها المواطنون عن ربع السكان، والأمر الطبيعي لأي دولة أن يكون مواطنوها أكثر من 50% من السكان كحد أدنى، وكان الوضع السابق والخلل مقبولاً في مرحلة تاريخية معينة، لكنه يجب ألا يستمر كذلك، وعلينا تحت أي مبرر أن ننهي البطالة المقنعة للمواطنين، وأن نعيد النظر في التقاعد المبكر وعمل المرأة في خطة استراتيجية لا تتجاوز عشر سنوات، وعلينا أن نستفيد من كفاءة الوافدين ونثمن دورهم في دولنا.ثانياً- إصلاح التعليم: يشكو التعليم من أزمة حقيقية على الرغم من الميزانيات الضخمة لهذا القطاع، والأزمة في التعليم جزء من أزمة عامة لابد من مواجهتها، وعملية إصلاح التعليم تحتاج إلى انتفاضة تعيد النظر في المنهج والإدارة ومستوى المعلم ومواجهة الفساد في هذا المجال، وضحالة التعليم جزء من فساده. ثالثاً- الإصلاح السياسي: إن تقدم الدول يقاس بمدى الإصلاح السياسي الذي يقوم على النهج الديمقراطي الدستوري، وعلى توفير الحريات ومحاربة الفساد بكل أنواعه، حيث لا يمكن أن تتقدم دولنا ولا تخطو على طريق التكامل بدونه. رابعاً- الاستفادة القصوى من عائدات النفط: لأنها مرحلة مؤقتة مهما طال عمرها، وذلك بمشروعات تنموية استراتيجية تبدأ بوقف الهدر ومحاربة الفساد المالي والإداري، وإن التحديث والحضارة الكونكريتية لا يعمران ما لم تسبقهما وتواكبهما حداثة فكرية وثقافية نملك اليوم وسائلها. خامسا- تطوير منظومة مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد فدرالي بين دولها: ويكون ذلك بعد السير قدماً في مشروع الإصلاح السياسي؛ لأن الوقوف عند هذا الحد من التنسيق والتعاون بين دول المجلس لا يكفي، ولا يحقق الأمن على المستوى الاستراتيجي في ظل الخلل في التوازن الاستراتيجي الإقليمي في المنطقة.سادساً- التفكير جدياً بعد تحقيق ذلك في بناء القوة العسكرية الموحدة للدفاع عن حدود وسيادة اتحاد دول مجلس التعاون: وهذا لا يمكن إلا بعد إعادة النظر في التركيبة السكانية، والسير خطوات على طريق الاتحاد الخليجي. سابعاً- يبقى عامل إضافي مهم، وهو استقرار العراق واليمن وتنميتهما: وسيكون عاملاً مساعداً مهماً في الأمن والتوازن الاستراتيجي الإقليمي في منطقة الخليج العربي، فعلينا أن نفكر جدياً في ذلك ونعمل على تحقيقه في المرحلة القادمة باقتناص الفرص التاريخية النادرة، فهل نحن مؤهلون وقادرون على اقتناصها؟