السيد المحترم الآي فون
![طالب الرفاعي](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
أذكر أنني في بداية السبعينات وبعد قراءة واحدة من روايات الكاتب السوري حنا مينا، قصدت أكثر من مكتبة عامة في الكويت، باحثاً عن كتاب نقدي أستطيع من خلاله الغوص في عالم هذا الكاتب، لكن كل جهدي البحثي باء بالفشل، فلم أجد أي كتاب عن الرجل. وهكذا كان علي أن ألجأ لأرشيف الجرائد والمجلات علّني أجد مقالاً نقدياً عن أعمال حنا. أذكر هذا تماماً، وأذكر موقفاً شبيهاً يوم أنهيت قراءة رواية الكاتبة الهندية أرونداتي روي "إله الأشياء الصغيرة" عام 1997، وأردت أن أعرف شيئاً عن عالم هذه الكاتبة الشابة المبدعة، وأيضاً لم أجد ما يجيب على تساؤلاتي. ستيف جوبز باختراعه العظيم مكّن ملايين البشر في شتى أنحاء المعمورة من الوصول إلى بغيتهم، وإشباع نهمهم في مختلف صنوف العلم والمعرفة. لكنه مع ذلك خلق نمطاً من التفكير والسلوك الإنساني الجديدين.ستيف جوبز، وعبر التلفون الذكي، جعل من الوصول إلى المعلومة أمراً متاحاً وسهلاً، حيثما كان الشخص ووقتما أراد المعلومة. هذا النمط من التفكير جعل السواد الأعظم من البشر، يستغني عن البحث المتقصي، البحث العميق، البحث المقرون بالكتاب وتسجيل وحفظ المعلومة. أقول السواد الأعظم، حيث إن العلماء والباحثين، وهم القلة، هؤلاء لهم نمط حياتهم العملي الخاص. لكن سلوك البشر، تفكيرهم اللحظي صار مطمئناً إلى وجود المعلومة تحت طلبه، وهذا بدوره انعكس على استخفافه بمصدر المعلومة، وبالتالي الابتعاد عن الكتاب/المرجع. مما تولد عنه أن الإنسان يصل إلى المعلومة المرادة، يستخدمها في لحظته، ويغدرها وكأنها لم تكن، دون أن تنطبع في ذاكرته، ودون أن يصطحبها معه. ستيف جوبز باختراعه التلفون الذكي، جعل الإنسان يركن ذكاءه، ويكتفي بذكاء سيده التلفون الذكي. ستيف جوبز جعل البعض ينسى حتى رقم تلفونه النقال، فكل المعلومات مخزّنه ومحفوظة لدى السيد التلفون، ووحده هذا السيد يتحكم في سلوكنا أجمع.لقد مضى قرابة العقد على اختراع التلفون الذكي، وإذا كان من جملة تلخّص أثره على الإنسان فإنه يمكن القول إن التلفون الذكي جمّد ذكاء الإنسان من جهة. وإن الإنسان ما عاد يمكنه الاستغناء عن التلفون الذكي أينما كان. وإذا أخذ بعين الاعتبار أن التلفون الذكي كان مدخلاً لشبكات التواصل الاجتماعي، فإن الأمر الأوضح هو أن مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، مدّت جسور الوصل بين بني البشر، ونشرت بينهم ثقافة إنسانية عالمية، ثقافة الخبر اللحظي وثقافة الحدث الإنساني الدائر، وبالتالي اختفى التمايز الأكبر بين البشر. ومعه انتشرت ثقافة عابرة ثقافة لا تعتمد على ذكاء الإنسان، ولكن على قدرته على استخدام التلفون الذكي.