«المثقف العربي ومتلازمة ميدان تيانانمِن»...

نظرة نخبوية واضحة إلى الذات

نشر في 18-01-2017
آخر تحديث 18-01-2017 | 00:00
No Image Caption
يختبر الباحثان عمرو عثمان ومروة فكري فرضية معاناة المثقف العربي ما يُعرف بـ «متلازمة تيانانمِن» التي تُحدّد علاقة المثقف بالديمقراطية، في كتابهما «المثقف العربي ومتلازمة ميدان تيانانمِن»، الصادر حديثاً عن «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» في 144 صفحةً من القطع الصغير، ويبحثان في حزمة التصورات التي تتعلق بنظرة المثقف إلى نفسه وإلى وضعه المجتمعي، وموقفه من جماهير الشعب والسلطة السياسية.
في كتابهما «المثقف العربي ومتلازمة ميدان تيانانمِن» يطرح عمرو عثمان ومروة فكري أسئلةً من قبيل: ما نظرة المثقفين العرب إلى أنفسهم في مقابل بقية أفراد المجتمع؟ ما فَهْم المثقفين العرب للديمقراطية الإجرائية وعلاقتها بالحريات؟ ما مكانة الديمقراطية في ترتيب أولويات هؤلاء المثقفين؟ كيف يُعرِّف هؤلاء المثقفون أهلية المشاركة في العملية الديمقراطية؟ لماذا يمكن أن يتعاون بعض المثقفين العرب المدافعين عن الحرية مع الأنظمة السلطوية المستبدة؟ هل ثمة علاقة بين موقف المثقفين العرب من الديمقراطية وتوجهاتهم الأيديولوجية؟

الكتاب المؤلف من فصلين، يناقش في الفصل الأول «المثقف وهويته الفردية والمجتمعية» مجموعة تعريفات للمثقف بوصفه كياناً مستقلاً وعضواً في المجتمع في آنٍ، مع تأكيد الباحثين أنّ أيّ تعريف للمثقف يتضمن إشكاليةً لا خلاص منها. فالمعرَّف نفسه هو من يُقدّم التعريف، ومن ثمّ يجب إخضاع المعرِّف للتحليل نفسه الذي أجراه لتعريف المثقف. ومعنى ذلك، كما يقولان، صعوبة القيام بأيّ تعريف عن المثقف والفصل الواضح بين الذات والموضوع، وهو أمرٌ «أدّى ببعض الدارسين إلى النظر إلى إشكالية تعريف المثقف على أنها مشكلة بعد حداثية بامتياز».

يضيف عثمان وفكري: «يعتمد وضع المثقف ودوره في أيّ مجتمع على مجموعة كبيرة من العوامل، ربما من أهمها مقدار الطبقة المتعلمة المستهلكة للثقافة والمتفاعلة معها، أي يعتمد على عامل ربما لا يملك المثقف نفسه قدراً كبيراً من التأثير فيه؛ فمقدار هذه الطبقة هو ما يدفع المثقفين إلى الإنتاج، ويشجع دور النشر على تجويد عملية الطباعة والدعاية والتوزيع».

كذلك يتطرّق المؤلفان إلى علاقة المثقف بالتمرد. في الأدبيات المعيارية التي تتناول المثقف، ثمة شبه إجماع على أنّ المثقف متمرد بطبيعته. أمّا في الواقع، فالمثقف ينزع إلى التمرد في ظل وجود تراث من التمرد في الثقافة التي ينتمي إليها، وينزع أيضاً إلى المحافظة. والحديث، في هذا السياق، ليس عن المثقف الذي يعتنق مجموعة أفكار محافظة بطبيعتها، بل المقصود بذلك الحال التي يصبح فيها للمثقف وضعٌ ما في نظامٍ معيَّن.

الديمقراطية

في الفصل الثاني «المثقف العربي والديمقراطية»، يسأل المؤلفان: هل المثقف العربي مُصاب بمتلازمة تيانانمِن؟ وفي مجال إجابتهما عن هذا السؤال، يقدّمان عرضاً تاريخياً لعلاقة المثقف العربي بالديمقراطية، ويذهبان إلى الزعم أنّ حديث غالبية المثقفين العرب عن الحرية، لا الديمقراطية «يمكن أن يكون محاولةً من بعضهم للمراوغة والالتفاف حول دور الديمقراطية في تحقيق أهداف النهضة، ومن بينها الحرية».

وفي علاقة المثقف العربي المعاصر بالديمقراطية، تناقش دراسة عثمان وفكري أدبيات بعض المثقفين العرب المعاصرين، معتمدةً أسلوب تحليل مضمون عيّنة من مقالات بعض هؤلاء المثقفين لأجل استبيان ماهية القضايا ذات الصلة التي اهتموا بها وإحصائها. يقول المؤلفان: «يمكن القول إنّ المثقفين العرب عموماً يؤمنون بخصوصية وضعهم في المجتمع، وهي الخصوصية التي تبرر لديهم فرض وصايتهم الفكرية على الشعب، وإنْ تكن غير مبررة تاريخياً وعملياً [...] وإنّ المثقف يرتبط - في نظر بعض المتخصصين بما يسمى علم اجتماع المثقفين - بالنخبة الحاكمة التي تتكون من تحالف النخب السياسية والاقتصادية».

بحسب المؤلفين، لا يهتم المثقفون العرب كثيراً بإثبات استحقاقاتهم النخبوية بناءً على إنجازات تاريخية في القرنين الماضيين. وإذا أشار بعضهم إلى التاريخ، فإنّنا نجد تعميمات يسهل دحضها، مع عدم اهتمامهم كثيراً بمراجعة خطابهم في ضوء انطلاق شرارة الثورات العربية في مصر وتونس وليبيا واليمن وسورية من صفوف الجماهير، لا النخبة المثقفة. ونظراً إلى قلّة الاستثناءات، يمكن أن نزعم أنّ المثقفين العرب قبل الثورات العربية أو بعدها فشلوا في نقد الذات أو تحقيق إنجازات تؤدي إلى تغيير ملموس ومؤثّر في مجتمعاتهم.

في خاتمة الكتاب، يُعلن المؤلفان أنّ عيّنة الأدبيات التي تناولاها في دراستهما تشير بقوة إلى إصابة المثقفين العرب بكثير من أعراض «متلازمة تيانانمِن»، وإن تفاوتت درجاتهم في ذلك؛ «فرغم اختلاف السياق العربي عن السياق الصيني، نجد قواسم مشتركةً كثيرةً بين تصورات قادة حركة ميدان تيانانمِن في الصين في عام 1989 وتصورات المثقفين العرب خلال مئتي عامٍ، وعلى نحو أخص المثقفين المعاصرين». ووجد المؤلفان أنّ نظرة المثقفين العرب إلى أنفسهم نخبوية واضحة، وأنّ أدبياتهم ركّزت في أولوية تأسيس الحريات العامة كحرية التعبير، وغيرها من حريات ترتبط بهم تحديداً، ولا ترتبط بالغالبية العظمى من طبقات الشعب التي لا يمكن أن تساهم بفاعلية في تحديد مصائرها إلا من خلال صندوق انتخاب نوّابها وحكامها.

نبذتان

عمرو عثمان: أستاذ مشارك في قسم العلوم الإنسانية في جامعة قطر، مهتم بالدراسات الإسلامية بفروعها المختلفة والفكر العربي الحديث والمعاصر. أصدر كثيراً من المؤلفات بالعربية والإنكليزية.

مروة فكري: مدرّسة علوم سياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، مهتمة بالسياسات المعاصرة والعلاقات الدولية في الشرق الأوسط والإسلاميين والتحول الديمقراطي في العالم العربي، ووسائل الإعلام العربية.

back to top