وجهة نظر : في مواجهة الخلل بالتركيبة السكانية
أثار حديث معالي وزيرة الشؤون وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية الفاضلة هند الصبيح عن الخلل في التركيبة السكانية، وما نشر في شبكات التواصل الاجتماعي حول بيانات السكان ونسبة عدد السكان غير الكويتيين، التي بلغت حوالي 70 في المئة من إجمالي عدد السكان، الذي بلغ 4.4 ملايين نسمة، الكثير من ردود الفعل، معظمها كان سلبياً، رغم أن هذا الخلل قديم ومستمر منذ أكثر من 60 عاماً. يذكر أن عدد سكان الكويت، حسب أول تعداد عام 1957، كان حوالي 206 آلاف نسمة، يمثل الكويتيون منهم حوالي 55 في المئة. ومع التطور العمراني والنمو الاقتصادي والوفرة النفطية منذ استقلال الكويت تغير ميزان التركيبة السكانية لصالح الوافدين. وتشير أرقام تعداد السكان عام 1965 إلى أن نسبة غير الكويتيين كانت آنذاك حوالي 64 في المئة من السكان، وواصلت أعدادهم في التزايد حتى وصلت نسبتهم إلى حوالي 72 في المئة عام 1985، كما بين تعداد السكان لتلك السنة. ووصلت تلك النسبة الى أدنى مستوى لها في السنوات القليلة التي تلت الغزو العراقي للكويت، إذ وصلت الى 59 في المئة عام 1995، ثم سرعان ما بدأت التصاعد حتى وصلنا الى النسبة الحالية. ولقد ساهمت في هذه الزيادة مؤخرا العمالة المستخدمة في مشاريع التنمية المختلفة، مثل إنشاء الطرق السريعة ومشاريع القطاع النفطي والمستشفيات ودار الأوبرا والجسور.وكان التوازن السكاني وتعديل التركيبة السكانية، ولايزال، من أبرز أهداف الخطط الإنمائية الخمسية المختلفة في الكويت منذ أن بدأنا وضع هذه الخطط. فمثلاً نجد أن أحد الأهداف الرئيسة لخطة التنمية الخمسية 2010-2014 تتضمن مواجهة الخلل في التركيبة السكانية وزيادة نسبة المواطنين، لتمثل 35% من إجمالي السكان. إلا أن هذا لم يتم تحقيقه ولم تنجح الدولة في ذلك، كما تبين الأرقام التي ورد ذكرها أعلاه. وتشير الخطة الحالية 2015-2019 إلى "غياب رؤية واضحة للسياسة السكانية" ضمن أحد أهم التحديات الراهنة في مجال التنمية البشرية.
وتستهدف الخطة الحالية ضمن عدد آخر من الأهداف المتعلقة بالتنمية البشرية خفض متوسط معدل نمو السكان الوافدين إلى 2.4 في المئة من 3.58 في المئة، كما كان في سنوات الخطة السابقة. وتتوقع الخطة أن يبلغ متوسط نمو السكان الكويتيين 2.7 في المئة خلال نفس الفترة، وسيترتب على ذلك خفض نسبة الوافدين من 70 في المئة، كما هي حالياً إلى 68.7 في المئة، وهي لا شك نسبة ضئيلة، إلا أنها تمنع المزيد من تدهور الوضع. وباعتقادي أن هذه نسبة معقولة وواقعية بالرغم من ضآلتها، واتفق مع ما ذكرته معالي وزيرة الشؤون الاقتصادية بأننا نحتاج الى 15 عاما لنصل الى نسبة 40 في المئة الى 60 في المئة بين الكويتيين وغيرهم.وبالنظر إلى مجتمع الوافدين نجده يتسم بأغلبية ذكورية، حيث تبلغ نسبتهم 67 في المئة من مجموع الوافدين. وبسبب طبيعة عمل معظم العمالة الوافدة فإننا نجد تدني مستوى تعليمها، إذ تبلغ نسبة من أتم تعليمه المرحلة المتوسطة ودونها 71 في المئة، كون غالبية العمالة الوافدة تشتغل في قطاع التشييد والبناء والخدمات الأسرية. وهذا يصعب من إحلالهم بالعمالة الوطنية. ومن بين الوافدين هناك حوالي 5 في المئة من هم مخالفون لقانون الإقامة عام 2014، كما ورد في بيانات وزارة الداخلية. إن التعامل مع الخلل في التركيبة السكانية يتطلب تعاون الجميع وبواقعية، فهناك كثير من الحلول المطروحة تم تكرارها واعتمادها في الخطط الإنمائية المتعددة، معظمها لم ير النور. فلابد من إعادة النظر في فلسفة الدولة الاقتصادية والاجتماعية، ولابد من تطوير التعليم والاهتمام به بشكل أفضل وربط مخرجاته بمتطلبات سوق العمل.لقد استغل البعض المواطنة للتكسب الريعي من الاتجار بالإقامات والرخص التجارية. وأتمنى أن تكون الدولة جادة في محاربة تجارة الإقامات، حيث ضمنتها ضمن إجراءاتها في الخطة الخمسية الحالية، وألا يكون أسلوبها نفس أسلوب مكافحتها للفساد في البلدية، وعلى النواب محاسبتها إن تراخت عن ذلك. ولابد أيضا من إلغاء نظام الكفيل المعمول به حاليا، وإيجاد نظام أكثر كفاءة وأقل فسادا. فنظام الكفيل يساهم في اختلالات سوق العمل وتشوه الأجور، ويسيء لسمعة الكويت. ولابد من الجدية في القضاء على الفساد وحل مشكلة البدون. وعلينا أيضا أن نغير نمط معيشتنا، فلا يعقل اعتمادنا على هذا الكم من الوافدين في بيوتنا وتربية أبنائنا، ونطالب الدولة بتعديل التركيبة السكانية.إن الأطروحات البائسة، مثل فرض رسوم على تحويلات الوافدين وغيرها، غير مفيدة، وستخلق سوقا سوداء وسوقا ثانويا يصعب التحكم فيه، وستكون تكلفة تنفيذ ومراقبة ذلك أعلى من المنفعة المترتبة عليها.إن التعامل مع الخلل في التركيبة السكانية بأطروحات "ترمبية" وإجراءات وقوانين "شعوبية" إقصائية ليس دون جدوى بل مكلفة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. فحاجتنا الى العمالة الوافدة ستستمر وبأعداد كبيرة بسبب الطلب المتنامي على الإسكان والنمط المعيشي للأسر الكويتية، واعتمادنا وبشكل كبير على خدمات الوافدين في حياتنا اليومية وحاجتنا الى الخبرات المختلفة من معلمين وأطباء ومهندسين. إن الحاجة الى الوافدين ضرورة اقتصادية واجتماعية وسياسية، ولابد من التعامل مع الخلل في التركبية السكانية على هذا المبدأ. * اقتصادي كويتي