فخ كيندلبرغر
على ترامب أن يتوخى الحذر واليقظة خشية الانزلاق إلى فخين رئيسين أعدهما له التاريخ: الأول «فخ ثيوسيديدز» الذي استشهد به الرئيس الصيني شي جين بينغ، في إشارة إلى احتمال اندلاع حرب كارثية إذا أصبحت قوة راسخة، كالولايات المتحدة، شديدة التخوف من قوة صاعدة، كالصين، و«فخ كيندلبرغر»: الصين التي تبدو أضعف مما ينبغي لا أقوى مما ينبغي.
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
الدول الصغيرة ليس لديها حافز كبير لتحمل ثمن مثل هذه المصالح العامة العالمية، ولأن مساهماتها الصغيرة لا تُحدِث فارقا كبيرا في مدى استفادتها من عدمها، فمن المنطقي في نظر هذه الدول أن تركب بالمجان، ولكن القوى الأكبر حجما من الممكن أن ترى تأثير مساهماتها وتستشعر فوائدها. لذا فمن المنطقي في نظر الدول الأكبر أن تتولى القيادة، وعندما لا تفعل تُصبِح المنافع العامة العالمية أقل من الضروري، فعندما أصبحت بريطانيا أضعف من أن تضطلع بهذا الدور بعد الحرب العالمية الأولى، استمرت الولايات المتحدة الانعزالية في ممارسة الركوب بالمجان، وكانت النتائج كارثية.يخشى بعض المراقبين أن تمارس الصين الركوب المجاني مع نمو قوتها بدلا من المساهمة في النظام الدولي الذي لم تشارك في خلقه، وحتى الآن كان السجل مختلطا، فالصين تستفيد من نظام الأمم المتحدة، وهي تتمتع بحق النقض في مجلس الأمن، وهي الآن ثاني أكبر دولة ممولة لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، كما ساهمت في برامج الأمم المتحدة المتصلة بفيروس الإيبولا وتغير المناخ.كما استفادت الصين إلى حد كبير من المؤسسات الاقتصادية المتعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي. وفي عام 2015 أطلقت الصين البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية، والذي رأى فيه بعض المراقبين بديلا للبنك الدولي؛ ولكن المؤسسة الجديدة تلتزم بالقواعد الدولية وتتعاون مع البنك الدولي.من ناحية أخرى كان رفض الصين حكم محكمة التحكيم الدائمة العام الماضي ضد مطالباتها الإقليمية في بحر الصين الجنوبي سببا في إثارة تساؤلات مزعجة، ولكن حتى الآن لم يسع سلوك الصين إلى إسقاط النظام العالمي الليبرالي الذي تستفيد منه، بل تسعى الصين إلى زيادة نفوذها في إطاره، ولكن إذا مورِسَت عليها الضغوط وعُزِلَت بفِعل سياسات ترامب، فهل تصبح الصين راكبا مجانيا يدفع العالم إلى فخ كيندلبرغر؟ينبغي لترامب أن يخشى أيضا فخ ثيوسيديدز الأكثر شهرة: الصين التي تبدو أقوى مما ينبغي لا أضعف مما ينبغي. لا شيء في هذا الفخ قد يكون حتميا، وتأثيره مبالغ في تقديره غالبا. على سبيل المثال زعم العالِم السياسي غراهام أليسون أنه في 12 من 16 حالة منذ عام 1500، عندما تواجه قوة راسخة قوة أخرى صاعدة، كانت النتيجة اندلاع حرب كبرى. ولكن هذه الأرقام غير دقيقة، لأنه من غير الواضح ما الذي يشكل "حالة". على سبيل المثال كانت بريطانيا القوة العالمية المهيمنة في منتصف القرن التاسع عشر، ولكنها سمحت لمملكة بروسيا بإنشاء إمبراطورية ألمانية جديدة في قلب القارة الأوروبية، وبطبيعة الحال خاضت بريطانيا حربا ضد ألمانيا بعد نصف قرن من الزمن في عام 1914، ولكن هل ينبغي لنا أن نعتبر هذا حالة واحدة أو اثنتين؟لم تكن الحرب العالمية الأولى ببساطة حالة استجابة من بريطانيا الراسخة لألمانيا الصاعدة، فبالإضافة إلى صعود ألمانيا، كانت الحرب العالمية الأولى راجعة إلى الخوف داخل ألمانيا من قوة روسيا المتنامية، والخوف من صعود القومية السلافية في الإمبراطورية النمساوية المجرية المنحدرة، فضلا عن عدد لا حصر له من العوامل الأخرى المختلفة عن اليونان القديمة.أما عن أوجه التشابه الحالية، فإن فجوة القوة بين الولايات المتحدة والصين اليوم أكبر كثيرا مما كانت عليه بين ألمانيا وبريطانيا في عام 1914، وقد تكون المقارنة مفيدة كاحتياط عام، ولكنها تُصبِح خطيرة عندما تنقل حس الحتمية التاريخية.فحتى الحالة اليونانية الكلاسيكية ليست مباشرة كما جعلها ثيوسيديدز تبدو، فقد زعم أن السبب وراء الحرب البيلوبونيزية الثانية كان نمو قوة أثينا والخوف الذي أحدثه ذلك في إسبرطة، ولكن المؤرخ دونالد كاجان من جامعة ييل أثبت أن قوة أثينا لم تكن تنمو في حقيقة الأمر، فقبل اندلاع الحرب في عام 431 قبل الميلاد، بدأ ميزان القوى يستقر، وقد دفعت الأخطاء السياسية التي ارتكبتها أثينا أهل إسبرطة إلى الاعتقاد بأن الحرب ربما تستحق المجازفة.كان نمو أثينا سببا في اندلاع الحرب البيلوبونيزية الأولى في وقت سابق من ذلك القرن، ولكن الهدنة التي دامت ثلاثين عاما أخمدت النار، ويزعم كاجان أن بدء الحرب الكارثية الثانية كان يتطلب شرارة تسقط على إحدى حفر النار المتأججة النادرة التي لم تنطفئ بشكل كامل، ثم تأججت بشكل مستمر وقوي بفِعل الاختيارات السياسية الرديئة. بعبارة أخرى لم تندلع الحرب بسبب قوى غير شخصية، بل بفِعل قرارات رديئة في ظروف صعبة.هذا هو الخطر الذي ينتظر ترامب مع الصين اليوم، وينبغي له أن يخشى الصين التي هي أضعف مما ينبغي وأقوى مما ينبغي في الوقت نفسه، ولكي يتسنى له تحقيق أهدافه، يتعين عليه أن يتجنب فخ كيندلبرغر وأيضا فخ ثيوسيديدز، ولكن في المقام الأول من الأهمية يتعين عليه أن يتجنب الحسابات والتصورات الخاطئة والأحكام السريعة التي تبتلي التاريخ البشري.* فخ كيندلبرغر* أستاذ في جامعة هارفارد، ومؤلف كتاب "هل انتهى القرن الأميركي؟".«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»
الدول الصغيرة ليس لديها حافز كبير لتحمل ثمن المصالح العامة العالمية
إذا مورِسَت على الصين الضغوط وعُزِلَت بفِعل سياسات ترامب فهل تصبح راكبا مجانيا يدفع العالم إلى فخ كيندلبرغر؟
فجوة القوة بين الولايات المتحدة والصين اليوم أكبر كثيرا مما كانت عليه بين ألمانيا وبريطانيا في عام 4191
إذا مورِسَت على الصين الضغوط وعُزِلَت بفِعل سياسات ترامب فهل تصبح راكبا مجانيا يدفع العالم إلى فخ كيندلبرغر؟
فجوة القوة بين الولايات المتحدة والصين اليوم أكبر كثيرا مما كانت عليه بين ألمانيا وبريطانيا في عام 4191