بعد نحو شهرين ونصف الشهر، من تطبيق قرار تعويم الجنيه المصري، أمام الدولار الأميركي، سجَّلت أقسام الشرطة في مصر، خلال الأسبوعين الماضيين، نحو 5 محاضر انتحار لأشخاص في أعمار متفاوتة، بسبب تزايد تأثير الأزمة المالية التي يمر بها قطاع عريض من محدودي الدخل من المصريين، والذين يبلغون، وفق تقديرات غير رسمية، نحو 45 في المئة من الشعب المصري، وهو القطاع الأكثر تأثراً، في ظل موجات غير مسبوقة من ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية.

وتكشف طبيعة المستوى الاقتصادي، الذي عاشه هؤلاء المنتحرون عن العلاقة المتينة بين الانتحار والعوز، إذ إن أحد هؤلاء المنتحرين كان يعمل موظفاً سابقاً في وزارة التموين، ويبلغ من العمر 65 عاماً، كما أن أحدهم كان يعمل خفيراً نظامياً وانتحر وسط خلافات مع زوجته، سببها عدم قدرته على الوفاء بالتزاماته المالية أيضاً، كما أن ثالث هؤلاء المنتحرين، وكان يعيش في مدينة الخانكة، التابعة لمحافظة القليوبية، شمال القاهرة، ترك رسالة لأسرته يعتذر فيها بوضوح عن عدم قدرته على الإنفاق وتراكم الديون عليه، مما جعله يُقرر الانتحار.

Ad

أستاذة علم النفس في جامعة حلوان، د. سلوى عبدالباقي، قالت إن "المنتحر يعاني اختلالا في البناء النفسي، هو الذي يجعله يبحث عن النقطة الأكثر شيوعاً في مجتمعه لتحميلها قراره بالانتحار"، مشيرة إلى أن "ارتفاع الأسعار يزيد الحاجة لدى كثيرين للذهاب إلى الطبيب النفسي".

وأضافت: "وجود بعض الطبقات الاجتماعية المتوسطة بين المنتحرين، يؤكد أنهم لم يستطعوا تغيير جوانب حياتهم لكي تلاءم الظروف الجديدة".

أستاذة علم الاجتماع، في كلية الآداب جامعة عين شمس، د. سامية خضر، قالت إن "اتخاذ شخص قرار الانتحار لا يمكن تحميله فقط للأزمة المالية، التي يمر بها، لأن هناك عوامل أخرى محيطة قد تكون دافعاً لاتخاذ هذا القرار".

وأضافت: "على سبيل المثال انتحار الموظف الحكومي السابق، يحتاج إلى بحث اجتماعي عن حالته النفسية وعلاقته بعائلته، كما أن المشكلة لدينا في عدم تأهل الأشخاص للاعتياد على حياتهم الجديدة، بعد الخروج إلى المعاش، حيث يدخل كثير منهم في حالة اكتئاب، رغم أنها تعتبر بداية مرحلة جديدة".

يُذكر أن كثيراً من خبراء الاقتصاد وصفوا يوم 3 نوفمبر 2016، الذي أصدرت فيه الحكومة قرار تعويم الجنيه أمام الدولار، بأنه "الخميس الأسود"، على متوسطي ومحدودي الدخل في مصر.