كيفية استخدام القوى العظمى
أشارت مادلين أولبرايت أخيراً في مؤتمر "لتسليم المهام" نظمه المعهد الأميركي للسلام في العاصمة واشنطن "إلى أن "العالم في حالة فوضى".ضم هذا اللقاء القادة المستقبليين لفريق ترامب المعني بالأمن القومي، ومَن سبقوهم في هذه المناصب في حكومة أوباما، و(بعد خروجهم طوعاً من عزلة ما بعد الانتخاب) أشخاصاً كانوا يشغلون هذه المناصب خلال رئاسة كلينتون، ولكن عندما بدأ المشاركون بالتفكير في الأوجه العدة التي تعكس الفوضى في العالم، حل التوافق محل الانقسام المعبّر. وهكذا وقف في جانب واحد السفراء السابقون، والمسؤولون، والجنرالات، والأكاديميون الجمهوريون والديمقراطيون الذين لا يهللون لعالم في حالة فوضى، يرون بروز القوميين المتشددين في الصين، وروسيا، وتركيا، ويخشون أن تكون مسيرة الديمقراطية بعد الحرب الباردة قد بلغت نهايتها.
كذلك يفكّرون في مدى هشاشة الاتفاقات، والمنظمات، والتحالفات الدولية، ويتساءلون عما إذا كان النظام القائم على قواعد والذي أسسته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية سيصمد، وفي المقابل يقف أعضاء بارزون من فريق ترامب يعتبرون الاضطرابات العالمية اليوم فرصة مثيرة للاهتمام لإعادة صوغ العلاقات الدولية بما يتناسب مع مصالح الولايات المتحدة. تصوِّر المجموعة الأولى النظام الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي يقوم على قواعد، نظاما بالغ الأهمية لكنه هشّ. إذ اعتبرت سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي في إدارة أوباما، أن المشهد الأمني العالمي "مقلق بقدر أي ذكرى حديثة أخرى"، وعددت رايس بعض المخاطر التي تقلق ترامب بقدر أوباما، من طموحات كوريا الشمالية النووية إلى الاعتداءات التي تنفذها مجموعات إرهابية دولية.على نحو مماثل أشار جاكوب سوليفن، مستشار مقرّب من كلينتون، إلى الصفقة التي هدفت إلى الحد من طموحات إيران النووية واتفاق باريس حول التغير المناخي، معتبراً إياهما مثالين للتعاون الخطير، كذلك عبّر ستيفن هادلي، الذي شغل منصب رايس في عهد جورج بوش الابن، عن خوفه من أن يكون النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة بحد ذاته "عرضة للهجوم"، وتخيل محادثة اتفق فيها بوتين وشي جين بينغ على أن الولايات المتحدة تشكّل خطراً، مروّجةً لأفكار عدائية عن الديمقراطية من أوكرانيا إلى هونغ كونغ.في المقابل لا يتقبل مساعدو ترامب هذا الكلام عن الضعف والتعقيد، صحيح أنهم قلقون حيال الإرهاب والدول المارقة التي تملك أسلحة نووية، إلا أنهم يرون أيضاً العالم في حالة مرنة مثيرة للاهتمام، ولا أحد يعرف ما ستؤول إليه سياسة ترامب الخارجية، فقد تجاهل تفاصيل أدلى بها خلال حملته الرئاسية وعين شخصيات تملك وجهات نظر متضاربة لتقوم بالمهام عينها، لكن داعمي فريق ترامب يعبّرون عن ثقتهم بأن الحد من الخطر الإيراني، مثلاً، يتطلب المزيد من الضغوط والعقوبات لا تنازلات لتقوية العمليين داخل النظام، كذلك يسخرون من فكرة أن البيئة الطبيعية هشة كفاية لتحتاج إلى اتفاق بشأن تغير المناخ، ويهللون بالتأكيد للنفط والغاز الأميركيين بكلفتهما المتدنية كمصدر للنفوذ العالمي.أما القوميون والشعبويون، فلا يشكّلون خطراً، بل ساهموا في فوز ترامب، فقد أخبر ستيفن بانون كبير مساعدي ترامب الاستراتيجيين، بعض زوار برج ترامب بكل فرح أنه يعتقد أن الثورة المناهضة للمؤسسة ستدفع باليمين المتطرف إلى السلطة في فرنسا وستطيح بميركل في ألمانيا، كذلك يرغب بانون في أن تخفف الولايات المتحدة العقوبات التي فُرضت على روسيا بعد ضم القرم، وذلك بهدف ضمان مساعدة روسيا في احتواء إيران، والإرهاب الإسلامي، وحتى الصين.يكتسب ترامب المزيد من القوة العالمية بفضل اتساع دعمه المحلي وحدته، بعدما جذب الناخبين الذين سئموا السياسة، إذ يشعر هؤلاء المواطنون الغاضبون أنهم "عادوا إلى اللعب"، ويراهن فريق ترامب على القومية الراسخة كوسيلة لفرض إرادة الولايات المتحدة على عالم يحتاج إلى بعض القسوة. يدعون هذه المقاربة السلام من خلال القوة، معيدين إحياء شعار من عهد ريغان، لكن دولاً أخرى تضم أيضاً شعوباً عنيدة، وفي ظل غياب القواعد العالمية الواضحة قد يضع ترامب تفويضه الشعبي "لجعل الولايات المتحدة عظيمة مجدداً" في وجه القومية الصينية مثلاً. إذاً، قد يزداد الوضع فوضى.