بإعلان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية أنس الصالح، في رده على سؤال برلماني للنائب رياض العدساني، «العمل على مراجعة شاملة لوثيقة الإصلاح الاقتصادي بهدف إعادة هيكلتها وتضمينها مؤشرات وقياسات أوسع وآليات تُمكّن من تقييم الاجراءات ومتابعة معدلات الإنجاز»؛ تكون الحكومة قد أضاعت نحو 10 أشهر في صياغة وتنفيذ وتسويق مشروع اقتصادي غير مكتمل الأركان كانت تحرص على أن يكون جوهرياً وأساسياً, في وقت يتطلب فيه الاقتصاد الكويتي اتخاذ إجراءات عاجلة وخطط واضحة لتلافي الآثار السلبية لتراجع أسعار النفط العالمية.

فمنذ اليوم الأول لطرح وثيقة الإصلاح المالي في مارس الماضي كان لافتا عدم ملاءمتها لواقع الاقتصاد الكويتي، من ناحية التغاضي عن الآثار الاجتماعية الناتجة عن التضخم أو رفع أسعار السلع والخدمات، وعدم حياديتها في تحميل شرائح المجتمع آثار العجز في الميزانية وحصص تمويلها، بغض النظر عن مستوى الدخل أو القدرة على تحمل إجراءات الوثيقة، فضلاً عن عدم مبالغتها في قدرات الحكومة من جهة طرح مشاريع أكبر بكثير من امكانيات الجهاز التنفيذي، خصوصاً في الرهان على خصخصة قطاعات في النفط والتعليم والصحة لدولة لم تتمكن حتى الآن من خصخصة قطاع صغير ومحدود مثل البريد.

Ad

حماس ونواقص

بل إن وثيقة الاصلاح، رغم الحماس الحكومي لها، لم تعالج الكثير من الاحتياجات الخاصة بالاقتصاد أو مرت عليها بشكل سريع، مقارنة بالإسهاب في المحاور الخاصة بالجباية المالية او الخصخصة، إذ إنها لم تتطرق الى مستهدفات خلق الوظائف عبر الخطة، رغم ان تحديات سوق العمل يمكن أن تكون الاكثر ضغطا على مؤسسات الدولة خلال السنوات المقبلة، خصوصا في ظل دراسات حكومية تشير إلى تصاعد قوي في الطلب على العمل يصل الى نحو 74 ألف طلب سنويا، بحلول عام 2030، كما ان الوثيقة مرت سريعا من دون أي تفصيل على مسألة يفترض أنها أساسية في دعم الاقتصاد الوطني، وهي «استقطاب وتشجيع الاستثمارات الأجنبية»، رغم أن الكويت تحتاج إلى هذا النوع من الاستثمارات؛ لما تمتلكه من خبرة وتكنولوجيا قبل الأموال، واكتفت بالقول إن الكويت استقطبت في عام 2015 استثمارات بـ 403 ملايين دينار -وهي بالأصل نسبة ضئيلة خليجياً- ووفرت 209 فرص عمل فقط، دون أن تتطرق لآليات تنفيذية او خطط لجذب المزيد من الاستثمارات.

وحسب رد وزير المالية فإن الوثيقة الاقتصادية تحتاج الى «تضمين مؤشرات وقياسات أوسع وآليات تمكن من تقييم الاجراءات ومتابعة معدلات الإنجاز»، وهنا يبرز تساؤل عن كيفية صدور الوثيقة في مارس الماضي من دون هذه المؤشرات وأدوات القياس! خصوصاً أن الخطط الاستراتيجية الكبرى على مستوى وثيقة الإصلاح الاقتصادي والمالي تستوجب اصدار إفصاحات فصلية وسنوية لبيان مدة الإنجاز ومدى اتساق التنفيذ مع الأهداف المحددة، إلى جانب ربط الخطط والمشاريع قصيرة ومتوسطة الأجل الواردة في الوثيقة بجداول زمنية إلزامية كي يقيم الرأي العام مدى فعالية الجهاز التنفيذي في التطبيق من بداية التنفيذ الى نهايته.

مجتمع وأهداف

تعديل أو هيكلة أو حتى تغيير وثيقة الاصلاح الاقتصادي والمالي يجب ان يكون وفقا لاحتياجات الاقتصاد وطبيعة المجتمع، وهنا يمكن الحديث عن دور المؤسسات المالية والاستشارية الأجنبية في صياغة مشاريع الاصلاح الاقتصادي ما نتج عنه آراء وقرارات ومشاريع حكومية منفصلة عن واقع الحياة الاجتماعية في الكويت، ونمى الحديث عن سوق الدين العام والخصخصة وإعادة هيكلة الدعوم للمستهلكين والرواتب، دون أي حديث عن الهدر الحكومي والفساد المالي اللذين لا يخلو تقرير لديوان المحاسبة منهما، إلى جانب إعادة هيكلة الإنفاق الاستثماري ليكون مجدياً من الناحية الاقتصادية، لذلك يمكن القول إن الشركات الاجنبية غالبا ما تضع خططها وفقا لمعايير ربما تناسب الولايات المتحدة أو اوروبا، لكنها ليست بالضرورة تصلح لواقع مجتمعات الخليج التي يجب إصلاحها وفقا لآليات مختلفة.

فمثلا كان من الاجدى منذ بداية اقرار الوثيقة في مارس الماضي أن أن تتجه اهداف الوثيقة نحو اعادة تسعير السلع والخدمات بهدف ترشيد وخفض الاستهلاك، لا لتمويل الميزانية أو سداد العجز، إذ إن خفض الاستهلاك بحد ذاته عبر وضع اسعار تراعي التضخم المتوقع الى جانب حوافز لمن يقوم بالاستهلاك الرشيد، خصوصا للكهرباء والماء، سيؤدي دون شك الى خفض التكلفة النهائية على الدولة، مع الأخذ بعين الاعتبار تطوير استخدام الطاقة غير التقليدية كـ «الشمسية» و»الرياح» لخفض التكلفة.

تحديد الأهداف

أي هيكلة للوثيقة الاقتصادية يجب ان تراعي مستهدفات محددة كرفع نسبة الناتج غير النفطي في الناتج المحلي الاجمالي وتطوير سوق العمل وتعديل التركيبة السكانية، وهي خطط ما بين متوسطة الى بعيدة الأجل تبدأ باتخاذ إجراءات من شأنها وقف الهدر في الإنفاق العام وإعادة هيكلة الإنفاق على المناقصات والمشروعات الكبرى التي لا تحقق عوائد اقتصادية للدولة كتمويل الميزانية او توفير فرص العمل، وهو إجراء اتخذته السعودية مطلع نوفمبر الماضي، إذ أوقفت التعاقد على تنفيذ مشاريع مليارية لأن «حجم الإنفاق عليها لا يتناسب مع العائد الاقتصادي والتنموي المتوقع».

الخطة التي روجت لها الحكومة بشكل قوي ولافت -فجأة- اكتشفت بها عيوبا ونواقص ربما لأن موعد اصدارها الأول تزامن مع وجود برلمان مهادن، واليوم بات لدينا برلمان يبدو أن «نبرة» المعارضة فيه أعلى، مما يعني ان مشاريع الاصلاح الاقتصادي لا تصدر وفقا لآليات فنية ودراسات، بل ارتباطا بالوضع السياسي، وهنا تكون العلة في النهج وخارج إطار المعالجات الاقتصادية.