«غرائب وعجائب» في بغداد قبل اقتراع المحافظات
لا تحالف يصمد أمام تغير الموازين بعد «داعش»
أطلق رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إشارة بدء «السباق الانتخابي» بنحو مفاجئ، حين أعلن سبتمبر المقبل موعداً لانتخابات مجالس المحافظات «البرلمانات المحلية»، بعد أن كان متوقعاً دمجها في الانتخابات النيابية العامة، أبريل 2018، ترشيداً للنفقات، وتعد هذه الخطوة عامل تسخين إضافياً للصراعات التي بدأت تفكك كل التحالفات القديمة بنحو يبدو دراماتيكياً أحياناً.ولم يعد هناك خبر يبعث على الاستغراب في صالونات السياسة هذه الأيام، فبغض النظر عن الفوضى الدائمة في البيت السني، صار من الصعب المحافظة على العلاقات والأواصر والتحالفات العتيقة لدى الأكراد المنضبطين تاريخياً، أو العوائل الدينية النجفية والتزاماتهم الموصوفة بأنها أخطر من أن يتم التلاعب بها.ويتناقل الجميع سيناريوهات عدة لظهور قوائم انتخابية مختلفة تماماً عن المألوف طوال 14 عاماً مرت من عمر النظام السياسي الحالي، ولعل أغرب الأخبار أن المجلس الأعلى، بزعامة عمار الحكيم، سيتحالف انتخابياً مع رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، خصمه الأبرز في التنافس الشيعي الداخلي.
وإذا كان هذا يعد من المستحيلات حتى قبل أيام، فإن الجفاء الغامض بين الحكيم ومكتب المرجع الأعلى علي السيستاني في النجف، والذي عكسته مواقف وبيانات عدة، لم يكن ممكناً إطلاقاً حتى قبل شهر. وكان السيستاني يشكل مع الحكيم وتيار مقتدى الصدر، التحالف النجفي الديني والسياسي الذي يخفف في العادة من غلواء النفوذ الإيراني، ويصنع التهدئة مع القوى السنية والكردية، ويصحح أخطاء المالكي وحلفاء طهران مع المكونات الأخرى، لكن هذا المعسكر أخذ يتآكل كما يبدو، فابتعد الحكيم عن السيستاني بلا سبب منطقي، حتى جعل المراقبين يتكهنون بتحالفه مع المالكي، أي اقترابه من طهران التي ابتعد عنها وعاقبته طوال 8 أعوام مضت.كما ابتعد الصدر عن الحكيم بعد أن خاضا بشكل منسق معارك ناجحة في ملفات كثيرة، ليقترب الصدريون من رئيس الحكومة حيدر العبادي، والمفارقة أن العبادي والمالكي ضمن حزب واحد بدأ ينقسم ليصبح شقه الأول أقرب إلى النجف، والثاني إلى طهران.وليس الأكراد بأفضل حالاً، حيث يبتعد حزب مسعود بارزاني كثيراً عن حليفه التقليدي، حزب الاتحاد الوطني، إذ يبقى الأول أقرب إلى أنقرة، ويتمسك الثاني بطهران وحلفائها في العراق، سياسة واقتصاداً.والخلل فيما يوصف بأنه معسكر اعتدال شيعي بدأ ينتج مخرجات سياسية مقلقة، إذ يتعرض محافظ بغداد علي التميمي لاستجواب «مضحك»، فالمحافظ التابع لتيار الصدر كان من أقرب المسؤولين إلى القوى السنية، وساعدهم في الحصول على مناصب لم يكن ممكناً لهم الوصول إليها، إلا أن القوى السنية تتحالف اليوم مع مقربين من طهران للإطاحة برجل التيار الصدري في بغداد، ولم يكن أحد يصدق حصول هذا الانقلاب حتى قبل بضعة أسابيع.ويعتقد المراقبون أن هذه «الهزات» ليست سوى بداية، فمعركة الموصل وتصاعد الأزمة المالية في العراق، إلى جانب موعد الانتخابات الذي أصبح وشيكاً، وصعود قوة الفصائل المسلحة، ستطلق صدامات ومواجهات وموسم فضائح غير مسبوق وبقواعد تختلف كلياً عن تجارب الاقتراع السابقة، لأن «ما بعد داعش» ليس كما قبله، في العراق وفي مجمل التوازنات الإقليمية.