انقراض
حاولت أن أشارك مقالاتي مؤخراً مع الأصدقاء والزملاء كي أسمع آراءهم، وإذا بالعديد منهم– النصف تقريباً- يعتذر عن القراءة! فعلى الرغم من أنهم عرب قد ولدوا وعاشوا في مدن وبلدان عربية، فإنهم لا يستطيعون قراءة وفهم النصوص باللغة العربية! بل يكتفون بلهجة عامية تمتزج بالكثير من المفردات الإنكليزية. لا ألومهم كثيراً على ذلك، فجميعنا مذنبون! فالحديث عن موضوع ثقافي عميق بالعامية الدارجة يكاد يكون مستحيلاً دون بعض الإضافات بالإنكليزية، أما اللجوء إلى الفصحى دون أن تصبح مادة للضحك والاستهجان فهو أيضاً أمر مستبعد! فنحن أبعد ما نكون عن لغتنا الأم.إذا استمررنا على هذه الحال، فلن أستغرب اندثار اللغة العربية بعد بضعة عقود لتصبح من الألسنة النادرة التي لم تعد تتحدث بها سوى بضع جدات على وشك الموت!! السبب الرئيس وراءضعف اللغة واندثارها هو أننا لا نقرأ، بل نكتفي بترديد هذه الحقيقة بتحسر دون فعل أي شيء إزاءها، كتناول كتاب مثلاً! فالعربي لا يقرأ سوى ما يعادل ربع صفحة سنوياً في حين يقرأ الأميركي ما يقارب 11 كتاب سنوياً والبريطاني 7 كتب، وذلك وفقاً للجنة الكتاب والنشر التابعة للمجلس الأعلى للثقافة في مصر (تقرير الجزيرة- 2015). هنالك العديد من الإحصاءات والدراسات المخيفة عن تردي معدلات القراءة وكذلك حركة الترجمة والنشر، لكنها لا تهم الأغلبية، حيث إننا– وكما ذكرت سابقاً- لا نقرأ! ولأننا لا نقرأ فإننا لا ننتج محتوى غنياً وحقيقياً يذكر، فوفقاً للدراسة ذاتها فإن العالم العربي أجمع ينشر 1650 كتاباً فقط مقابل 85 ألف كتاب سنوياً ينشر في الولايات المتحدة وحدها. بالتالي فإن مصادر المعلومات باللغة العربية محدودة وقديمة غالباً– إلا من بعض الاستثناءات- بل تفتقر إلى الموضوعية في الكثير من الأحيان. فقط حاول البحث إلكترونياً عن موضوع ما باللغتين العربية والإنكليزية فإنك ستجد الحقائق العلمية الدقيقية والشاملة بالإنكليزية، في حين لن تجد سوى بعض الآراء الشخصية والكثير من المغالطات المنطقية في محرك البحث العربي.
وبسبب انتشار الإنكليزية بشكل عالمي، فإن المساهمات بالمحتوى الغني تأتي من جميع الأقطار، في حين تقتصر العربية على العالم العربي الخامل والغارق في الحروب والمشاحنات الطائفية، وبالتالي فإن مصادر المعلومات بالإنكليزية لا تعدّ ولا تحصى، فهي نبع متجدد لا ينضب.أكتب بالعربية لعلّي أحدث تغييراً، أكتب بالعربية لعلّي أجد لصوتي صدىً في القلوب، أكتب بالعربية لأننا وببساطة، في أمسّ الحاجة إلى ذلك.