شهدت قرية "ناهيا" التابعة لمركز "كرداسة" في محافظة الجيزة (جنوب القاهرة)، أحداث عنف وتطرف كثيرة، خاصة في أعقاب فض الاعتصام المسلح لتنظيم الإخوان الإرهابي 14 أغسطس 2013، في ساحة "رابعة العدوية"، وقد ظلت هذه القرية لفترة طويلة معقلا للإرهاب وذوي الفكر المتشدد، وفي السطور التالية ترصد "الجريدة" سيناريو تشكّل تنظيم إرهابي مصغر في هذه القرية، عمل على تجنيد الشباب المراهق، إلى أن تهاوى تحت قبضة الأمن.

نشأ تنظيم الجهاد الإسلامي، المعروف حركيا بـ "حركة المقاومة الشعبية" في هذه القرية، والذي لم يكن سوى الذراع العسكرية لاعتصام "رابعة"، وأحد أفرع الحركة التي أنشأها قادة الصف الثالث في جماعة "الإخوان"، عقب إلقاء القبض على قيادات الصفين الأول والثاني، على أمل أن ينفلت زمام الأمور من يد الدولة وتؤول إليهم السيطرة مجدداً.

Ad

تنظيم "حركة المقاومة الشعبية" تكون من 21 عضوا، لم يتجاوز أكبرهم 40 عاماً، بينما غالبيتهم في سن المراهقة، حيث تم تجنيدهم في الخامسة عشرة من عمرهم، وهؤلاء سببوا ذعرا في كرداسة، وكان الأمن يطارد أشباحا لكونهم أشخاصا غير معروفين، وهكذا كانت "أشباح ناهيا" سببا رئيسيا في اشتعال الشوارع وحريق المنشآت الشرطية والحكومية، ما جعل المنطقة دائما على صفيح ساخن.

محمد صلاح عبدربه، أحد الشباب الذين تم تجنيدهم، حيث نشأ في جو ديني متطرف فكرياً، ويقول أهالي ناهيا لـ "الجريدة" إن عبدربه، كان طفلا عاديا ثم شابا متشددا أكمل تعليمه الأزهري كغيره من الكثير من أبناء المركز الذين يميلون للتعليم الديني عن الحكومي حتى حصل على شهادة الثانوية الأزهرية بالكاد، بعد تعثره في سنوات الدراسة، فلم يكن تلميذا نابغا، ليعمل بعد ذلك "ترزيا".

في الظلام استطاع عبدربه استقطاب بقية أفراد التنظيم بمساعدة ذراعه اليمنى "محمد الرفاعي"، الذي درس في الأزهر، وتخرج في كلية الشريعة والقانون، لكنه لم يكن متديناً، ولعبت المصادفة دورا بارزا في التحاق الرفاعي بصفوف الجماعة.

قبل ثورة يناير 2011 دخل الرفاعي مركز شرطة كرداسة لأول مرة، عندما اتُهم بالاتجار في المخدرات، وعقب تخرجه تقدم بطلب للانضمام إلى نقابة المحامين، وعلمت "الجريدة" من مصادرها أن ذلك اليوم حوَّل مسار حياته، فقد واجهته مشكلة كانت سببا في تعرفه على قيادات جماعة "الإخوان"، الذي كان يعتبرهم أصحاب فكر متشدد، إلا أنهم نجحوا في غسل مخه، وضمه إلى الفرع المسلح للتنظيم، فعندما تقدم بأوراقه للالتحاق بنقابته رفضت عضويته، بعدما أثبتت التحاليل الطبية التي أجريت له تعاطيه المخدرات، فتشاجر مع موظفي النقابة، وانتهت الواقعة بتحرير محضر ضده.

رأى أفراد الجماعة الإرهابية ضالتهم في الرفاعي، فوعدوه أثناء حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، بحل مشكلته، واستغل الإخوان حالة الغضب التي انتابته وأشعلوا فيه نار الحقد بتغذيته بأفكار متطرفة، حتى قامت ثورة 30 يونيو 2013 التي أطاحت مرسي، فضموه إلى اعتصام "رابعة" ضمن المجموعة المسلحة التي كانت تستقر داخل "مخيم ناهيا"، بعدما تم تدريبه، وأضحى الذراع اليمنى لزعيم التنظيم الجهادي محمد عبدربه.

في اعترافاته يقول الرفاعي إنه ظل معتصما حتى بدأت "الداخلية" فض الاعتصام، حيث تخلى عن سلاحه كغيره من أعضاء التنظيم المسلح من الشباب صغير السن، ليخرج خروجا آمنا، وقضى ليلتين في شوارع ضاحيتي "مصر الجديدة" و"مدينة نصر"، حتى تأكد أن "الداخلية" أوفت بوعدها ولم تلق القبض على من غادر الاعتصام، ليرجع بعدها إلى كرداسة ويلتقي عبدربه، ويشكلان معا ما سمياه بـ "أفرع المقاومة الشعبية، وتكون مهمته تجنيد الشباب للمشاركة في أعمال الحرق والتخريب، إلى أن قبض عليهما عام 2016.

ظل الأمن يترصد زعيم التنظيم وذراعه اليمنى، إلى أن ألقي القبض على الرفاعي بعدما علمت "الداخلية" باختبائه في منطقة زراعية، وحينئذ أصيب التنظيم بضربة قوية، وبدأ عبدربه يجتمع ببقية أفراد التنظيم في "زريبة للماشية" في قطعة أرض زراعية على أطراف "ناهيا"، ليخطط ويشارك في اغتيال أمين شرطة بالأمن الوطني في كرداسة.

بعد فترة، علم الأمن أن عبدربه مختبئ داخل عقار تحت الإنشاء، وحين دهمت قوات الشرطة المكان، بدأ إطلاق الرصاص حتى نفدت ذخيرته، فألقى بنفسه من الطابق الثالث وأصيب بكسور شديدة، ليضعه الأمن تحت الحراسة في أحد المشافي حتى تماثل للشفاء، وبعد شهرين تم استجوابه، ومازال عبدربه والرفاعي يخضعان للمحاكمة.