ترجح المصادر العسكرية أن الضباط العراقيين سيأخذون استراحة تُعرَف بـ«الوقفة التعبوية» بعد اكتمال تحرير الجزء الأيسر من الموصل ثاني أكبر مدن العراق، والتي تشهد أكبر معارك البلاد منذ 2003.فجنود قوات النخبة ذات الدور الحاسم في المعركة لم يزوروا عائلاتهم منذ ثلاثة أشهر تقريباً، وعناصر «داعش» بدوا منهكين أيضاً حيث لم يقاتلوا في الغالب عند الأطراف الشمالية المتبقية، وأخفوا أسلحتهم و«ابتلعتهم الأرض»، على حد وصف بعض الضباط، بينما تلاحق القاصفات زوارقهم الهاربة عبر دجلة.
وينتظر الجيش العراقي، الذي حرر نحو نصف مليون موصلي من حكم «داعش»، وصول خمسة جسور عائمة عملاقة لإكمال متطلبات العبور نحو الجزء الأيمن من المدينة، والذي تقع فيه الموصل التاريخية والأسواق العتيقة ويقطنه عدد أكبر من السكان.وحتى انتهاء «استراحة المحارب» تقوم الاستخبارات بنصب أبراج هاتف جديدة تتيح للسكان الذين بقوا تحت سلطة «داعش»، أن يتصلوا بخطوط ساخنة لتقديم المعلومات، ويمكن أن يتشجع الأهالي بعد أن لاحظوا حجم هزيمة التنظيم في الأسابيع الأخيرة، وهو الأمر الذي ترك انكساراً معنوياً في صفوف عناصر «داعش» العراقيين، رغم أن المخاوف تبقى من تشكيلات تُعرَف بالكتائب الآسيوية التي لا تزال تتحصن في الجزء الأيمن، وتعد من أشد المقاتلين بأساً، إذ ليس أمامها سوى القتال حتى الموت، لأنه لا يمكن لعناصرها الذوبان مجدداً بين الأهالي كما يفعل العناصر المحليون.ووفق التحليلات التي رافقت الأيام الأخيرة من المعركة، فإن المرحلة المقبلة، وهي آخر مواجهة كبرى مع «داعش» في العراق، ستشهد نقاطاً لمصلحة الحكومة، إذ تطورت تكتيكات ومناورات جهاز مكافحة الإرهاب القتالي الخاص إلى حد كبير، كما أن تشكيلات كانت تعتبر أقل كفاءة مثل الشرطة الاتحادية، نجحت في تقديم أداء متميز جنوب الموصل.
وإلى جانب ذلك، فإن نوع الإسناد الدولي على الأرض يتضاعف، فقد دخلت مروحيات الأباتشي الأميركية الحرب، وأدت دوراً فاعلاً في وقف مفخخات «داعش» مما قلل خسائر الجيش العراقي إلى نحو النصف، فضلاً عن انخفاض حاد في مخزون المتفجرات لدى «داعش»، إذ لم تستخدم في الأيام الأخيرة للمعركة سوى عدد ضئيل من المفخخات مقارنة بنحو 700 مفخخة خلال الشهر الأول. وسيضاف إلى المعارك المقبلة عنصر آخر، وهو أن الفرق الخاصة الأميركية والفرنسية باتت تشاهد قرب جامعة الموصل، وأماكن استراتيجية أخرى شهدت مواجهات حساسة.لكن كل هذا لن يلغي نوعين من المخاوف، أولهما قدرة «داعش» المتواصلة على صناعة مفاجآت موجعة، وخصوصاً للأهالي، لأن أي تصاعد في الضحايا المدنيين سيحرج بغداد والتحالف الدولي كثيراً، أما الأمر الآخر فهو احتمال أن يبادر الحشد الشعبي إلى اقتحام منطقة تلعفر غرب الموصل، وما يرافق ذلك من انتهاكات محتملة، إضافة إلى عمليات انتقام في مدينة تركمانية سنية قد ترتكبها فصائل سنية وكردية منفلتة كذلك، ما سيولد ضغطاً وإحراجاً إضافيين لكل الأطراف.