ماذا يبقى من إرث أوباما؟
ودع أوباما البيت الأبيض بعد أن ألقى خطابه الوداعي، مستعرضاً إنجازاته الداخلية والخارجية، خلال سنوات حكمه الثماني، فسرد الرئيس المغادر سلسلة إنجازاته: قانون الرعاية الصحية (أوباما كير) الذي يغطي بمظلته التأمينية 20 مليون أميركي، معظمهم من الطبقة العاملة والدخل المحدود، وإيجاد 16 مليون وظيفة، وتحسن الاقتصاد عامة، وإنقاذ صناعة السيارات الأميركية من تداعيات الأزمة الاقتصادية. وعلى الصعيد الخارجي الاتفاق النووي، والانفتاح على كوبا بعد طول عداء، واصطياد العدو الأكبر لأميركا، زعيم القاعدة، والتخلص منه، وخفض القوات الأميركية في أفغانستان والعراق، وتقليل الاعتماد على النفط الخارجي، وهي أمور لم يحققها الرؤساء السابقون. كانت رسالته للأميركيين: أميركا اليوم أفضل وأقوى اقتصادياً مما كانت عليه قبل 8 سنوات، وكان هدفه الأساسي من وصيته الوداعية العاطفية للشعب حماية إرثه السياسي وصيانته تجاه سياسات نقيضة لسياساته، يتبناها الرئيس الجديد ترامب، والذي جعل من أبرز أولوياته نقض كل ما عمله سلفه، وأهمه: أوباما كير.
ودع الرئيس أوباما أميركا والعالم وفي عينيه دمعة، وفي أعماقه حسرة على هذه النهاية، وقلق من أن تذهب إنجازاته في مهب الريح، ما أصعب على رئيس دولة مودع أن يعقبه نقيضه القادم وبيده ممسحة يمحو إرثه، ويلغي مراسيمه، ويسعى إلى نسف ما عمله وجهد من أجله، إنه أسوأ أنواع الوداع! كان أوباما رئيساً يسعى إلى عالم يسوده السلام والتعاون والقيم الأخلاقية، كان يؤثر العفو والتسامح والغفران وتجاوز الماضي، وعدم رد الإساءة، سواء في الداخل مع خصومه السياسيين من الحزب الجمهوري، بهدف إنهاء الاستقطاب والانقسام بين الحزبين أو في الخارج مع الأعداء التاريخيين لأميركا مثل إيران وكوبا، كان سياسياً راقياً، ومسيحياً حقيقياً، وحقوقياً حالماً، يؤمن بالقيم الحقيقية للمسيحية كالتسامح والغفران وتجاوز الإساءات حتى مع الأعداء، وتلك القيم هي منطلقاته الحقيقية في عالم السياسة الداخلية والخارجية، أراد أن يطبقها في عالم مليء بذئاب طامعة، لا تؤمن بسياسة الملاطفة. وفي سبيل كسب الخصوم في الداخل واسترضاء الأعداء في الخارج قدم تنازلات استباقية كبيرة، وبلع إهانات كثيرة- يكفي فقط على سبيل المثال: أن زوارق الحرس الثوري الإيراني تعرضت للمدمرة الأميركية 7 مرات في مياه الخليج، نهاية الأسبوع قبل الماضي، واكتفت المدمرة بطلقات تحذيرية، كما احتفلت إيران بمرور عام على إذلال البحَّارة الأميركيين! ترى هل تجرؤ إيران أن تكرر هذه الممارسات المستفزة اليوم في ظل ترامب؟ وفي سبيل استرضاء العدو وعدم إغضابه، أخفى أمورا، وتجاوز أموراً، ونكث وعوداً، كان كل همه كسب العدو، وتذليل عقبات الوصول إلى اتفاق معه، بغض النظر عن سلبياته ونتائجه، كما في الاتفاقية السخية مع إيران. وكان من تداعيات السياسة الاسترضائية مع الأعداء في الخارج والخصوم في الداخل إغضاب مناصريه الذين انتخبوه في الداخل، فعاقبوه بعدم التصويت لحليفته كلينتون نكاية به، كما هز ثقة حلفائه وأصدقائه في الخارج، وبخاصة الخليجيين الذين رأوا في الاتفاقية مع إيران إضراراً بمصالحهم، ونكوصاً وتراجعاً عن مقتضيات الصداقة والتحالف التاريخيين، وتقوية لهيمنة ونفوذ دولة ولاية الفقيه وتدخلاتها في المنطقة العربية. كان الحلفاء والأصدقاء في الخليج مع الاتفاق النووي، فهذا يحقق مصلحة مشتركة، لكنهم طالبوا إدارة أوباما بربط رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران تدريجيا، بتحجيم تدخلاتها التخريبية في المنطقة، وقطع رعايتها للإرهاب، وهو ما لم يحصل. وكانت المحصلة النهائية لسياسة أوباما في المنطقة فشلا ذريعا على كل المستويات؛ السياسية والاقتصادية والأمنية، وانحساراً مخيباً للآمال لدورها القيادي التاريخي اللائق بدولة عظمى، بل إن أميركا فقدت مكانتها وهيبتها في المنطقة تماماً، مما أفسح المجال للثعالب والذئاب أن تعيث في أرض المنطقة فساداً واضطراباً وفوضى، وهكذا ودعنا أوباما، فلا هو كسب الخصوم والأعداء، ولا هو أرضى الحلفاء والأصدقاء، كما ودع أميركا وهي في قمة الاستقطاب والانقسام، ذهب أوباما حزيناً على إرثه، ولما يدرك بعد أنه هو السبب في ظاهرة ترامب.* كاتب قطري